ما الذي نبغيه من فعلنا السياسي و المجتمعي،أفرادا و أحزابا؟ غير انتصار شكل من الحياة الميسرة لفئات عريضة من أبناء هذا الوطن،تكون فيها الكرامة مصونة والحرية مكفولة،والعدالة الاجتماعية و الاقتصادية مضمونة،و الديمقراطية مشاعا بين المواطنين،يحتكمون من خلالها للقانون،سواسية أمامه،و محكومين بواسطته.... الوصفة أعلاه مشتركة بين الكثير من الأنظمة السياسية،من أنظمة جمهورية رئاسية،لحدود الملكيات الديمقراطية أو البرلمانية...و انعدامها قد يكون في ضل ذات الأنظمة، بتلويناتها،الجمهورية و الملكية التي قد كون فردية و استبدادية... ما سلف أعلاه درس متجاوز تاريخيا،و أعتبر أنه من العبث السياسي الآن تلقينه لفاعلين يعتبرون أنفسهم من محركي قاطرة التاريخ في هذا الوطن... سبب نزول القول أعلاه،تنظيم الائتلاف من أجل ملكية برلمانية الآن،ندوة في موضوع "الملكية البرلمانية و حركة العشرين من فبراير"،و ذلك ضمن ما سمي بثلاتاءات الملكية البرلمانية...و الذي ساهم فيه كل من السيد فؤاد عبد المومني، عن ذات الائتلاف، و السيد عبد الحميد أمين،عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان،و تمت إدارة الندوة من طرف الأستاذة لطيفة البوحسيني...
ثمة خلل في تدبير هذا النقاش بشكل عام،خاصة حين يتم مواجهة وجهات نظر لا تكتسي صبغة الشعارات الجماهيرية بشكل قطعي،بينما تستثنى من النقاش العمومي الكثير من المواقف الجامعة لتيارات وحساسيات عريضة،لعل ذنبها أو خطؤها، أنها انزوت خارج هذا النقاش،إما لانعدام فظاءات ديمقراطية تمثلت في هيمنة التيارات المتطرفة،يمينا و يسارا،أو لارتكانها لمقولة الرغبة الصادقة للدولة في التحديث و الدمقرطة، و بالتالي اعتبرت أن مساهمتها غير ذات جدوى، سواء هنا أو هناك...
لعبدالحميد آمين الحق في الدفاع عن شعاره القاضي بتقويض الملكية و المخزن، و إقامة الجمهورية الشعبية و الدستور الديمقراطي الشعبي، كما استنسخها من المراجع التي يعتمد عليها ،لكنه ليس من حقه أن يعتبر أن ما يروج له هو موقف الشعب برمته،أو حتى ما سماه هو الشعب المتحرك في الشارع،و ليس من حقه بالتالي، أن يحتسب تكلفة هذا التغيير من مخزون الدم و الجثث التي يمكن أن يجود بها الشعب"ديال" بالصح... فقط يجب الانتباه أن السيد عبد الحميد آمين، يطالب بهذا، في ظل نظام ملكي لا شعبي و لا ديمقراطي، كما يحلو له أن يصفه،و هو ما لا يمكن ضمانه في ظل الجمهورية الديمقراطية الشعبية،التي يبشرنا بها...
السيد فؤاد عبد المومني،لا يختلف بدوره عن السيد آمين عبد الحميد،في استجداء تكلفة التغيير الذي يريده من شعب لم نستطلع رغبته في أي نظام يريد،فمطلب الملكية البرلمانية الآن، كما يناشدها ،يتطلب بدوره ثورة لا تختلف عن ثورة الجمهورية الديمقراطية الشعبية...
الصوت الثالث والذي ألمحت إليه مسيرة الندوة هو الصوت الذي كان غائبا رغم أنه ذوو قاعدة كبيرة، لا على مستوى النخب المناضلة و لا على مستوى تمثله في وعي أغلبية المواطنين. إنه الصوت الذي يلمس سيرورة التقدم التي أحرزها المجتمع المغربي، بفعل رياح الربيع العربي، و تفاعله مع حركة العشرين فبراير التي احتضنوها و نزلوا بمعيتها للشارع،و لمسوها في خطاب التاسع من مارس،و في الإجراءات الاجتماعية التي انتهجتها الحكومة لفائدة فئات واسعة من الشعب،وهم الذين لمسوا بالمقابل انتكاسة الدستور، و انتكاسة عملية تنزيله،كما لمسوا سيناريو إعادة إنتاج نفس النخب عبر الانتخابات. إنه الصوت الذي يصر على الاستمرار في النضال،عبر استغلال كوات الضوء المتسرب من ثنايا الدستور الأخير، و ما تبقى من رياح هذا الربيع العربي...
الملكية قدرنا،ولا أرى ما يشين في هذا،بل يجب اعتبارها إرثا تاريخيا و قيمة مستقبلية لمساهمتها في بناء مفهوم الدولة عبر مراحل كثيرة من تاريخ هذا البلد،شكلها يتطور في أفق تحديثي يخضع لقوى الموازين الحقيقية، المرتكزة على تطلعات الشعب، لا على رغبة "قطعان" صغيرة هنا و هناك...
ما يعيب هذا المسار،والذي أعتقد أنه جامع للعديد من القوى،هو غياب النقاش الجدي حول التشكل كقوة فاعلة و مسموعة، ضد كل الهيمنات و الانزلاقات، سواء الرسمية منها أو الحراكية،بما يضمن توازنا في الثمثيل الحقيقي لمواقف الشعب،عبر الفضاءات المعدة أساسا لذات النقاش، أو في الشارع الذي يجب أن لا يبقى موهما للكثير من الفاعلين أنهم هم صناع تاريخ هذا البلد...
فالدينامية التي عاشها المغرب في إطار ما سمي بحركة 20 فبراير عرفت انخراط كل الأصوات المنادية بالإصلاح وهي ذات الأصوات التي ستجد لها الصيغة الملائمة من أجل التصدي لمحاولات الانتكاس والتراجع.