خروج إعلامي غامض لعباس الجراري أو المستشار الملكي الذي لا يستشار لا في القضايا الكبيرة ولا في الصغيرة. وإذا كان متفهما أن يهاجم الجراري الحكومة والأحزاب باعتبارها حائطا قصيرا، فإن غير المتفهم وهو أن يهاجم الجراري المثقفين المغاربة على الرغم من أنه واحد منهم. وأنا أبحث عن حل لهذا اللغز، ماذا وجدت؟ وجدت أن الجراري أحس ب"الإهانة العميقة" عندما عينه الراحل الحسن الثاني خطيب جمعة في مسجد للا سكينة بالرباط في نهاية الثمانينيات. كيف ذلك؟ ففي الوقت الذي كان الجراري يعتبر نفسه واحدا من مثقفي البلد فإن الحسن الثاني، بذكائه الخاص، كان ينظر إليه كفقيه تقليدي بسيط مكانه الطبيعي هو مسجد صغير يحمل اسم حفيدته. المثير في هذه الواقعة وهو أن الجراري التزم الصمت ولم يجرؤ حتى على أن يقول للراحل الحسن الثاني "يا جلالة الملك، اعفني من مهمة الخطابة في هذا المسجد لأني لست خطيب جمعة". ولأن الجراري التزم الصمت في وقت كان ينبغي أن يتكلم، فقد تبخر كل شيء مع مرور الوقت ولم يعد للكلام أي مفعول سواء من فوق منبر الجمعة أو من محاضرات الثقافة.