لحسن والنيعام صحفي بيومية "المساء" /// أعتقد بأن مقاربة الوضع يستدعي الجرأة في تناول الحادث. أن تتم محاكمة قاصرة تشتغل في مقصف في كلية العلوم بمكناس، وأن يتم حلق شعر رأسها وحاجبيها، لا يمكن إلا أن يدرج ضمن الأعمال الوحشية غير المقبولة لا أخلاقيا ولا سياسيا، مهما كانت المبررات والمسوغات. قرأت بلاغات وبيانات حاول من خلالها فصيل في الكلية أن يبرر هذا السلوك. لكن الخطاب غير مقنع، والسلوك لا يندرج سوى في إطار تصور للعنف داخل أسوار الجامعة يجب أن ينتهي، وأن يفتح المجال بدله لنقاش الأفكار والرؤى والتصورات والمشاريع في إطار المدارس الفكرية المختلفة. حمل الأسلحة البيضاء داخل أسوار الجامعات يجب أن يوضع له حد. القرار بيد المكونات الطلابية، وليس بيد أي جهة أخرى. والأمر يحتاج إلى إعادة النظر في ممارسات غير مقبولة، تنفر الطلبة من النقاش الطلابي، وتقدم صورة قاتمة عن الوضع في الجامعة، وتجعل مرتفقي هذه المؤسسات يحسون بالخوف كلما رغبوا في ولوجها. وزارة التعليم العالي ووزارة الداخلية، وغيرها من القطاعات المعنية، وقعت بلاغات مشتركة، حول قرارات تخص العنف في الجامعة، لكنها لم تحل المشكل، ولن تحله. الأمر يحتاج إلى مراجعات جوهرية في صفوف المكونات الطلابية. أن يتم جر مستخدمة للمحاكمة الجماهيرية، بعدما وجهت لها تهمة "التجسس" على أنشطة الطلبة، وأن تحاكم أمام الملاء، وأن يتم حلق شعر رأسها، وحاجبيها، أمر فظيع. المحاكمات الجماهيرية في الجامعة يجب أن يوضع لها حد. بأي شرعية نحاكم الذين نختلف معهم؟ بأي شرعية نعطي صفة الشرطة القضائية والنيابة العامة وهيئة الحكم لأنفسنا، وبعد صدور الأحكام نعطي التعليمات لمجموعات خاصة لتنفيذها، وأمام الملأ. قبل هذا الحادث المروع، عاشت عدد من الساحات الجامعية في المغرب محاكمات. بعض الضحايا تم حرمانهم من حقهم في متابعة الدراسة، وأجبروا على سحب ملفاتهم، ومغادرة الكلية التي يدرسون بها. بأي حق؟ بعض الطالبات تمت محاكمتهن بعدما اتهمن بالقيام بأعمال "دعارة". مرغت سمعتهن في الوحل. وأجبرن على المغادرة. لم يستطعن العودة إلى الوسط الاجتماعي لأن "الشوهة" تلاحقهن. وعجزن عن العودة إلى المحيط الأسري لأن "الشوهة" كانت أفظع. واخترن طريق الدعارة الحقيقية. طريق اللاعودة. هل هناك أفظع من هذا؟ ساحة الجامعة مدرسة. كانت مدرسة. تخرج منها محللون كبار. مثقفون من جميع التخصصات. وأطر استفادت وتستفيد منها الدولة. بعضها أصبح من قيادات الأحزاب السياسية، وتولى مسؤوليات حكومية. هكذا ينبغي أن تكون الجامعة. الطلبة يتدربون على النقاش، ومقارعة الحجة بالحجة. وهذا النقاش يدفعهم إلى تتبع الشأن العام، بطريقة انتقادية. بحدة أكثر تتماشى مع الفئة الاجتماعية التي ينتمون إليها. أهم شبان. ومن الطبيعي أن يكونوا راديكاليين، ومتجذرين. بعد الصعود إلى الجبل، سيأتي وقت النزول. مرحلة النضج. والواقعية. من الطبيعي أن تكون الاختلافات بين الإسلامي واليساري أكثر بروزا في الجامعة. من المقبول أن يحتد النقاش بين الطرفين. لكن من غير المقبول أن تتحول الساحة إلى فضاء للكلام النابي. لإصدار الأحكام، والإنتقال مباشرة إلى التلويح بالأسلحة البيضاء. إلى إشهارها. إلى استعمالها لحسم الخلافات. الفتاة التي تشتغل في المقصف ابنة الطبقات الشعبية. دفعتها ظروفها الاجتماعية، كما أخريات، إلى ولوج الجامعة. ليس من أجل التحصيل العلمي، لأن الظروف لم تسعفها على إكمال تعليمها، ولكن لتكد من أجل القوت اليومي لها، ولأسرتها. من عرق الجبين، كما يقال. عوض أن نجرها إلى محاكمة جماهيرية ستترك ندوبا نفسية كبيرة، بتهم واهية، وغير مقبولة، من اللازم أن تلقى الاحتضان والرعاية والتأطير. في السابق كان اليسار في الجامعة لا ينظم حلقات لنقاش الأفكار والتصورات والخلافات الرئيسية والثانوية فقط. كان يعطي دروس الدعم والتقوية لفائدة الطلبة مع اقتراب موسم الامتحانات. كان يحتضن العمال والبسطاء وحتى المنحرفين الذين لا ذنب لهم في أوضاعهم، ويساهم في تاطيرهم. لقد ساهم في محاربة الأمية. ولم يترك أدبيات حول حلق الرؤوس.