بتحقيقه لرقم معاملات يفوق 36 مليار درهم سنة 2011، والذي من المنتظر أن يتجاوز سقف 40 مليار درهم سنة 2014، يكون سوق الاتصالات المغربي قد شهد منذ عشر سنوات نموا متواصلا وقارا، إذ هم هذا النمو بالأساس الارتفاع الصاروخي للهاتف النقال منذ تحرير السوق وبروز أنترنيت الجيل الثالث "3 جي" على النقال. ومع التحول الاستراتيجي القوي لاتصالات الجيل الرابع 4 جي"، ستشهد الشهور المقبلة رهانات جمة وكثيرة. ووعيا بهذه الإكراهات والرهانات، يخوض الفاعلون في الاتصالات بالمغرب: إنوي، ميديتل واتصالات المغرب، حربا طاحنة فيما بينهم على مستوى الإشهار، والترويج والعروض التشجيعية لجذب أكبر عدد من المستهلكين الباحثين دوما عن العروض الفريدة. فإذا كان المستهلك هو المستفيد الوحيد من هذه المنافسة، كما تشهد على ذلك انخفاضات أسعار المكالمات، فإن العروض على الهواتف أو التعبئات المضاعفة، بثلاثة أو أربعة أو حتى سبعة مرات، لا تبرز بالفعل الواقع الحقيقي للعروض المقترحة. وعلى مر الزمن، حولت هذه المنافسة المشهد العام لعرض الهاتف النقال ببلادنا إلى سوق يعج بالفوضى والضجيج، مصحوب بالكثير من التهور والقليل من الصبر والتأني. وغالبا تكون علامة النجمة الصغيرة التي تحيلنا على نص مكتوب بأحرف دقيقة في الاعلانات مفتاح فهم حقيقة العروض واللبس الحاصل حيث أن هذه المبالاة التي يبديها المستهلك هي التي يعتمد عليها الفاعلون لتمرير عروض غير حقيقية بالمرة. لنأخذ على سبيل المثال الأرقام غير المحدودة. فقد يتوفر الفاعلون الثلاثة في جعبتهم على عرض يخول للمشتركين الاستفادة من رقم، رقمين، أو ثلاثة أرقام يستطيعون الاتصال بها دون تحديد مدة الاتصال. مع ذلك، وعندما نتفحص واقع هذه العروض، يتبين لنا على أنه لا وجود لها على أرض الواقع. فهي غير موجودة عند هؤلاء الفاعلين، ولو حتى برقم واحد، فبالأحرى برقمين أو ثلاثة. هنا، يطرح السؤال التالي: ما السر وراء تواصل الفاعلين حول أرقام لا محدودة وما هي حقيقة الصيغ المرتبطة بهذه العروض؟ الجواب نجده بالعقود التي غالبا ما يهمل المستهلكون قراءتها. ذلك أن الفحص الدقيق لهذه العقود سيبين لنا على أن هناك مدة محدودة مشترطة من طرف الفاعلين الثلاثة، مع بعض التغييرات من فاعل لآخر. وعليه، فإن الأرقام اللا محدودة الثلاثة المقترحة من طرف إنوي هي في الحقيقة عبارة عن حصص فورفي ضئيلة بمدة إجمالية لا تتعدى 30 ساعة شهريا، أي 10 ساعات للرقم الواحد. وبعد نفاذ 30 ساعة، تقتطع المكالمات نحو الأرقام المفترض فيها أن تكون لا محدودة من رصيد الفورفي. نفس الأمر ينطبق بعض الشيء على اتصالات المغرب. ذلك أن لمشتركيها الحق في رقم واحد لا محدود، والذي هو في الحقيقة عبارة عن فورفي 60 ساعة في الشهر نحو هذا الرقم. فإذا تجاوز المشترك حصة 60 ساعة، فإن المكالمات نحو الرقم اللامحدود تحتسب هي أيضا من رصيد الفورفي. أما فيما يتعلق بميديتل، فإن للمشترك الحق في رقمين إثنين لا محدودين، وهما في الحقيقة عبارة عن 75 ساعة شهرية نحو هذين الرقمين، دون تمييز. الفرق مع إنوي واتصالات المغرب يتبين عند نفاذ 75 ساعة هاته، يصبح للمشترك الحق في الاستفادة من 30 دقيقة إضافية في اليوم نحو هذين الرقمين. وهي الصيغة الوحيدة التي لا تقتطع فيها المكالمات نحو الأرقام المقترحة من الفورفي الرئيسي. في السياق نفسه، تتشابه عروض الاشتراك بدون التزام لدى الفاعلين الثلاثة وبالثمن نفسه، مع بعض التحفظات حول العرض اللامحدود. بالمقابل، هناك نقطة صغيرة إيجابية على مستوى الشفافية بالنسبة لفورفي هاني لميديتل، التي لا تعطي معلومات عن الأرقام اللامحدودة، ولكن على 30 ساعة من المكالمات الشهرية نحو رقمين مفضلين. من الواضح، إذن، وعلى ضوء هذه المقارنة البسيطة، على أن الفاعلين في الاتصالات ينهجون ممارسات تكاد تكون خادعة، تمس بعض الشيء بأخلاقيات المهنة. فبعضهم سخي وشفاف أكثر من الآخر، لكن الحقيقة تحتفظ بها هذه المقاولات لنفسها من خلال عروض ملفوفة بخطابات كاذبة في معظمها. الإشهارات المبثوثة على القنوات التلفزيونية التي تتحكم فيها أموال الإعلانات السخية ترمز إلى ما أصبح يعرف بالحرية في الاتصال وتتطرق لفورفيات تقترح كل شيء ولا شيء في الآن ذاته، والعروض المجانية التي لا مجانية فيها...الأمر واضح وجلي، الكثير من الكلام المعسول مقابل عروض هزيلة خادعة ومضللة. عماد موزيان