لم يكن مفاجئاً أن تعلن الدولة المغربية عبر مجلس الحكومة قرار تعليق الاتصال مع مؤسسات الاتحاد الأوربي بعد القرار الاستئنافي لمحكمة العدل الاوربية، إذ أن هذه الخطوة كانت متوقعة منذ مدة، وجاءت مؤشراتها الاولى بعد الحكم الابتدائي الذي صدر منذ ثلاثة أشهر بالطعن في اتفاقية التبادل الحر في المجال الزراعي. الموقف الذي اتخذه جلالة الملك محمد السادس وكلف رئيس الحكومة بتصريفه من خلال لقاءه بسفير الاتحاد الاوربي يحمل الكثير من الدلالات: 1- القرار كان اضطراري وبمثابة التداوي بالكي فلم يكن أمام الدولة المغربية من خيارات سوى قرار تعليق الاتصال مع المؤسسات الاوربية وهذا القرار وإن كان لا يرقى وفق الأعراف الديبلوماسية الى مستوى القطع الشامل للعلاقات لكنه مقدمة قد تمهد لقرارات ديبلوماسية اكثر جذرية ان لم تحاول المؤسسات الاوربية محاصرة رقعة زيت الخلاف. 2 – القرار يتوخى ممارسة الضغط السياسي والديبلوماسي على قادة الاتحاد الأوربي، فالمغرب يدرك ان تغيير الموازين على المستوى القضائي لن يتم إلا بتوسيع دائرة الصراع السياسي ليمتد الى باقي مؤسسات الاتحاد الأوربي السبع المكلفة بصناعة القرار ضمن الاتحاد الأوروبي. هذه الجهات السبع منصوص عليها في الفقرة 13 من معاهدة الاتحاد الأوروبي تظم البرلمان الأوروبي، المجلس الأوروبي،مجلس الاتحاد الأوروبي، المفوضية الأوروبية، محكمة الاتحاد الأوروبي، البنك المركزي الأوروبي ومحكمة المدققين الأوروبية مع ابقاء العلاقة مع محكمة الاتحاد الاوربي حفاظا على حق التقاضي والطعن في قرار الاستئناف. توسيع هامش المعركة الديبلوماسية يسمح للمغرب بالتلويح بأوراق ضغط الرابحة التي يمتلكها والتي من شأنها إقحام القادة السياسيين الأوربيين في هاته المعركة وخصوصا الملفات المرتبطة أساسا بالأمن الأوربي والأنشطة الارهابية وتدفق الهجرة والمخذرات واتفاقية الصيد البحري. 3 – القرار يهدف الى منع تغلغل أطروحة الانفصال في مفاصيل الاتفاقيات اقتصادية التي تربط المغرب بالاتحاد الاوربي وبتالي فإن رد فعل الدولة المغربية بحد ذاته كانت ضرورية ومطلوبة للحفاظ السيادة المغربية في عقد الاتفاقيات الدولية وعدم الرضوخ لبعض أشكال الوصاية الدولية. 4 – القرار وإن لبس عباءة الحكم القضائي إلا انه يحمل دلالات سياسية ذات نفس انحيازي لأن مثل هذه القرارات تعد تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية للمملكة وفي موضوع نزاع ديبلوماسي يوجد تحت عهدة الاممالمتحدة وهو ما يتعارض مع قواعد وأخلاقيات العمل الديبلوماسي،التي تتطلب تحفظ المؤسسات الدولية اتجاه بعض القضايا التي تنظر فيها أم المنظمات الدولية. 5- تحميل المؤسسات السياسية الاوربية مسؤوليتها خصوصا البرلمان الاوربي الذي يتحمل مسؤولية وعبء حماية الاتفاقيات الشراكة الدولية التي يعقدها بعد خضوعها لمساطر معقدة وفق الفصل 207 و218 من المعاهدة التطبيقية الوظيفية للاتحاد الأوربي. 6- القرار يحاول إقحام مؤسسة المجلس الاوروبي الذي يتكون من رؤساء الدول أو رؤساء حكومات الدول الاعضاء، بالاضافة الى رئيسه ورئيس المفوضية الاوروبية. ويشارك الممثل الاعلى للسياسة الخارجية والامنية للاتحاد في عمله. ويدرك المغرب أنه يمتلك أصدقاء اوفياء بالمجلس خصوصا ذوي التأثير القوي مثل فرنسا وإسبانيا وبلجيكا وألمانيا لاعادة الاوضاع الى نصابها. 7- القرار المغربي يخاطب أهم دعامة يقوم عليها الاتحاد الاوربي وهي دعامة التكامل بين مؤسساته فقضاة محكمة العدل الاوربية يتم اقتراحهم بشكل سياسي من طرف المجلس الوزاري الاوربي .ولذلك فبالرغم من هامش الاستقلال الذي تتوفر عليه المؤسسات الاوربية الا عنصر التكامل في المواقف ينبغي ان يسود قرارات الاتحاد الاوربي فلا يعقل وسيكون من العبث ان يوافق البرلمان الاوربي والمجلس الوزاري والمفوضية على اتفاق قانوني وتخرج المحكمة الاوربية لتغرد خارج السرب.