كلما اقتربت نهاية الولاية الحكومية الحالية، زادت شراسة "بيجيدي" في حرب تكميم الأفواه. واتسعت الدائرة وتعددت الجبهات مع الإعلان عن تاريخ الاستحقاقات التشريعية المقبلة ولم يتردد إخوان بنكيران في استعمال سلاح النيابة العامة في غزوات ينبعث منها دخان تصفية الحسابات. حاول "بيجيدي" النفخ في رماد الحرب مع المعارضة، لكن أحزابها رفضت الوقوع في فخ المواجهة، خوفا من تداعيات خطاب المظلومية، الذي يتقن بنكيران ومن معه استعماله، وفطن الجميع إلى تفاصيل خدعة الحملة الانتخابية المختفية خلف أقنعة صيادي التماسيح والعفاريت. وخلصت المليشيات الانتخابية ل "بيجيدي" إلى أن كل الثغور التي تحمل ألوية العصيان قد سقطت، ولم يبق أمام عناصرها سوى يومية "الصباح"، لا لشيء سوى لأنها ظلت خارج أجندة المصالح الانتخابية، ورفض صحافيوها دخول لوائح الطامعين في أجر تكميلي يصر مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، أن يذل به السلطة الرابعة، بعدما اعتقد عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، ومصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، أنهما طوعا التشريعية والقضائية. لقد فشلت الكتائب الإعلامية في إسكاتنا، واحتاج الأمر إلى تدخل "عاجل" من بنكيران والرميد، فتقاطرت الاستدعاءات الزرقاء من "إمارة" ولاية أمن الرباط على صحافيي "الصباح" لأنهم تجرؤوا على كسر احتكار "بيجيدي" لعلامة "الشعب يريد" بتبني شكايات المواطنين وإسماع أصواتهم وأنينهم المنبعث من تبعات السياسات اللاشعبية للحكومة. أكثر من ذلك، تفاجأ المداومون في مقر الجريدة، أول أمس (السبت)، بثلاثة ضباط يحملون استدعاء موجها إلى رئيس التحرير يطلب حضوره على وجه السرعة إلى المصلحة الولائية للشرطة القضائية بالرباط، في أجل أقصاه صباح اليوم (الاثنين)، وكأن الأمر يتعلق بفعل إجرامي يهدد أمن البلاد، قبل أن يتبين أن سبب الاستدعاء شكاية للوزير نجيب بوليف بشأن خبر نشرته "الصباح" يخص تراخيص الفحص التقني. في أمر "الاستعجال" كثير من علامات الاستفهام، وقد يجد بعد تفسيراته في أن رئيس النيابة، وزير العدل، حريص على تسخير أمن الدولة ووضع رجالاته في خدمة "الأخ" في الحكومة الذي يتقاسم رفقة زميله في الحزب وزارة النقل والتجهيز. ليس هناك تفسير لهذا الاستعجال، إلا إذا كان المشرفون على النيابة العامة يميزون بين أصحاب الشكايات، وأن الأسبقية للوزير وللحزب الحاكم حتى لا تتأثر سمعتهما في الطريق إلى الانتخابات التي يعول عليها الحزب الحاكم من أجل العودة إلى الحكومة. أما نحن فإننا ننتظر شكايات المواطنين قبل وبعد الانتخابات. اختار صاحب "الولاية" على النيابة العامة أن يذهب بعيدا في الدفاع عن الوزير والدائرة وأرسل مكتوبا عاجلا إلى رئيس تحرير "الصباح"، يحمل شبهة ردع الجريدة وتخويفها. لن ترضخ "الصباح"، التي واجهت وزراء كثرا قبل بوليف والرميد، وستواجه آخرين تأتي بهم انتخابات أكتوبر، ولن تتنازل عن ريادة ثغور المقاومة، ما دام "الشعب يريد".