هكذا بدأت الأمور صباح يوم الجمعة في مدينة الدارالبيضاء، حيث تجرى في المغرب أول انتخابات جماعية وجهوية بعد دستور 2011، شوارع المدينة وأزقتها مليئة بالمناشير الانتخابية التي ألقى بها المرشحون ليلة الاقتراع بسخاء حاتمي. بدت المدينة صباحا تتمطى من نومها،وفيما أفردت المقاهي كراسيها فوق الأرصفة العمومية فإن حركة المرور خفيفة من عين الشق نزولا عبر شارع 2 مارس حيث توجد الإمام البوخاري التي سيدلي فيها وزير الصحة الحسين الودري بصوته. جاء الرجل باكرا على متن سيارة مرسديس بيضاء اللون،دلف لباب الثانوية مع التاسعة والربع وأدلى بصوته وغادر المكان لايلوي على شيء. باتجاه مركز المدينة وتحديدا نحو ثانوية شاعرة الثورة الفرنسية جان دارك ،وجدنا مصورين صحافيين ينتظرون قدوم وزراء في الحكومة للإدلاء بأصواتهم،قبل أن ننتقل عبر شارع آنفا إلى فضاء الگولف الملكي وسط فيلات عين الدياب،هناك استقبلنا رجال أمن وقوات مساعدة في الباب، في الداخل شاهدنا سيرج برديغو السفير المتجول لدى جلالة الملك محمد السادس يدلي بصوته كأيها الناس، ليلتحق بعد مرور ربع ساعة بمكتب التصويت صلاح الدين مزوار رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار ووزير الشؤون الخارجية والتعاون، ثم طرنا إلى مؤسسة « الوفاء »التعليمية بشارع الزيراوي لرصد أجواء إدلاء نبيلة منيب الأمينة العامة لحزب اليسار الاشتراكي الموحد ومرشحة تحالف أحزار اليسار في دائرة سيدي بيلوط التي توصف بكونها أحد دوائر الموت في كازا.لكن بعد ذلك سنكتشف أن دوائر الموت والإفساد الانتخابي بعيدة عن مركز المدينة وتوجد في المناطق الضاحوية المحيطة بالمدينة على طول أحياء البؤس الهامشية. في الزوال وبعد صلاة الجمعة توجهنا صوب حي « لمكانسة » أحد الأحياء الهامشية بعمالة عين الشق حيث تتمركز كتلة بشرية ناخبة يعول عليها المرشحون للانتخابات للحصول على الأصوات.امام مدرسة عبد الرحمن احجبرة،وقف رجال أمن بزيهم الرسمي ينهرون مجموعة من النسوة تحلقن بشكل مريب بجانب المؤسسة التعليمية. « آلالة تحركي عليا من هنا..واش باغية تجبدي لينا المشاكيل..راه السيد العامل غادي يجي هنا ويلقاكم وتخرجوا ليا على خدمتي »، يخاطب رجل أمن نساء كن يستظلن بشجرة في انتظار قدوم أخريات للدخول إلى الثانوية للتصويت. داخل مركز التصويت وجدنا فوضى عارمة،حيث تكدس ناخبون كثر، غاليتهن نساء في طابور طويل يسألن عن مكاتب التصويت التي سيدلين بها بأصواتهن. أمام جهاز حاسوب جلست فتاة ظلت تدخل الأرقام الوطنية للمتقدمين أمامها في الحاسوب قبل أن يمنح الناخبين ورقة ليتوجهوا إلى مكاتب الاقتراع،فيما عاد ناخبون آخرون أدراجهم خائبين بعد أن أخبرتهم الفتاة المكلفة بتفحص اللوائح في الحاسوب بأنهم غير مسجلين في القوائم المتوفرة لديها. وبمدخل حي المكانسة الهامشي في عمالة عين الشق، وقف عنصران من فرقة الصقور يرقبون أصحاب الدراجات النارية الثلاثية العجلات وهم يفرغون حمولاتهم البشرية من جمهور الناخبين القادمين من الجيوب الصفيحية ومساكن البناء العشوائي. أصحاب"موطور آخر فرصة" بمجرد أن ينقلون الحمولة البشرية حتى يعودوا أدراجهم بسرعة لنقل ناخبين آخرين دون أن ينسوا على التأكيد عليهم بضرورة بالتصويت على حزب الحصان الذي يقوده عمدة مدينة الدارالبيضاء محمد ساجد، فيعبر الناخبون فضاء متربا قبل الدخول لمدرسة عبد الرحمان احجيرة للتصويت بناء على نصائح ناقليهم من سماسرة الانتخابات. ثم ونحن نتجول قرابة الساعة السادسة والنصف مساء بحي عين الشق القديم ، شاهدنا جمعا من الناس متحلقا حول امرأة مسنة زعمت بأن مستشارا يدعى السهواني قام بتعنيفها بمجرد أن غادرت مدرسة ابن خلدون بعد أن علم بأنها لم تصوت على حزب الحصان الذي يمثله،لتنقلها سيارة إسعاف باتجاه المستشفى وتفتح الشرطة محضرا في النازلة.