كان حدث بداية الموسم الرياضي الذي يوشك على الانتهاء في المغرب، إعلان إدارة الوداد البيضاوي المغربي عن استقدام المدرب الويلزي الشهير جون توشاك لقيادة فريق أمضى سنوات صعبة خارج مدار المنافسة على الألقاب التي يزخر بها تاريخه. هلل بعض المراقبين الرياضيين ل"ضربة المعلم" التي قام بها الرئيس الجديد للنادي، سعيد الناصري، لكن كثيرين بدوا متحفظين بل مشككين في قدرة المدرب العالمي على تقديم الإضافة الفنية للفريق. تندر بعضهم بالقول إنها ليست إلا رحلة نهاية مشوار رياضي أقرب إلى السياحة في بلاد الشمس والبحر بالنسبة للعجوز، وقال آخرون إن انحسار الأضواء وغياب طلب على تجربة الرجل يفسر قبوله لعرض الفريق المغربي.
ولعل بدايات الوداد مع توشاك، ابن مدينة كارديف التي رأى بها النور في 1949، عززت تخوفات المراقبين بخصوص عدم قدرة مدرب عاش طيلة مشواره الرياضي في مناخ رياضي أوروبي شديد الاختلاف عن واقع رياضي تسيطر عليه أجواء الهواية، رغم التقدم الملحوظ على مستوى بعض الجوانب الاحترافية.
لكن مع مرور الدورات العشر الأولى بدأت ملامح اللمسة الجديدة لتوشاك تتضح، وتشكلت بوادر الفريق البطل العائد من بعيد. وعلى بعد دورة واحدة من نهاية الدوري المغربي، كان الشيخ الويلزي، ومعه طاقم الوداد وجمهوره، يرفع يديه بعلامة النصر، في انتصار كاسح خارج البيضاء، أعطى رسميا للوداد لقبا ظل يطارده لسنوات رفقة مدربين لا يحصون من مختلف المدارس والجنسيات.
والمثير في تجربة توشاك أنه لم يعتمد على مجموعة من النجوم لصنع الفارق. باستثناء بعض أعمدة النادي خلال الأعوام الأخيرة، فإن المدرب المحنك امتلك الشجاعة وقاوم الضغوط ليضع الثقة في مجموعة من الشبان اكتشفهم الجمهور مباراة بعد أخرى، وكبرت أسماؤهم امتحانا بعد آخر. لم يكن ذلك غريبا عن توشاك، اللاعب الذي بدأ مساره مع نادي كارديف سيتي وهو بعد في السادسة عشر من العمر.
داخل الملعب، أثبت جون توشاك أن سجله الحافل رفقة أقوى الأندية الأوروبية ليس حبراً على ورق، وأنه ما اختار الدوري المغربي مذعنا لخريف مجد رياضي بل عن قناعة بمشروع كروي لإدارة نادٍ ليس نكرة في قارة كان يشكل لسنوات احد أقوى أنديتها، وعن رغبة في خوض تجربة نوعية لتجديد الشباب ورفع التحدي في ساحة لا يعرفها.
أما خارج الملعب، فقد وقع المدرب السابق للمنتخب الويلزي في غرام الدارالبيضاء، وأبهر أنصار الفريق وساكنة المدينة ببساطته، هو الذي طاب له التجول في المدينة العتيقة رفقة زوجته، وتناول وجبات السمك التقليدية على إيقاع الشاي المنسم بالنعناع، مرحباً بدفء الأنصار ومبادلا التحايا بأجمل منها.
ويبدو أن توشاك لن يعبر سريعا. فنادي الوداد بصدد الإعداد لموسم جديد تحت قيادته، تكريسا لمشروع طويل المدى. وهو موسم يبدو انه بدأ قبل الأوان بترتيب قائمة اللاعبين الذين سيعتمد عليهم في خوض الطور الثاني من المغامرة.
وتقول المؤشرات إن نزول توشاك، باسمه العالمي في محطة الوداد سيطلق موجة هجرة جديدة لمدربين كبار نحو الدوري المغربي الذي يشهد تطورا ملحوظا بفعل الاستثمار المالي والفني في بنيات الاحتراف المختلفة. فقد تناقلت وسائل الاعلام أخبارا عن اتصالات لنادي اتحاد طنجة مع المدرب الألماني بيرند شوستير، اللاعب السابق لبرشلونة وريال مدريد، وتحدثت عن رغبة المدرب السابق للريال خوان رامون لوبيز كارو في التعاقد مع نادي الجيش الملكي.
يذكر أن توشاك تألق كلاعب مع ليفربول في عصره الذهبي، انطلاقا من 1970، وفاز معه بلقب الدوري الإنجليزي ثلاث مرات (1973 و1976 و1977)، وكأس الاتحاد الإنجليزي مرة واحدة (1974)، وكأس الاتحاد الأوروبي مرتين (1973 و1976).
وبدأ مجده التدريبي وهو في منتصف عقده الثالث عام 1984 مع نادي سبورتنغ لشبونة البرتغالي ومنه انتقل إلى "الليغا" ليدرب ريال مدريد في مناسبتين، وريال سوسيداد ثلاث مرات، وديبورتيفو لاكورونا وريال مورسيا، وقاد أيضا بيشكتاش التركي وسانت إتيان الفرنسي.