أثار تداول الإعلام اسم صلاح الدين مزوار في منصب وزير المالية في النسخة الثانية لحكومة بنكيران، الكثير من اللغط والغضب في صفوف النشطاء المغاربة، على مستوى المواقع الاجتماعية المغربية. فجل المغاربة المتابعين للشأن العام، يعلمون ان مزوار شخص يشتغل لحساب ولي نعمته وفق أجندة واضحة، ولم يقدم نفسه يوما كثوريا او مصلحا او منقذا لفقراء المملكة.
كما يعلم جيدا من استقدم هذا الشخص لقيادة سفينة حزب التجمع الوطني للأحرار، أنه جاء برجل ضعيف الشخصية ومتملق يبحث عن مصالحه الشخصية، ويقدم في كل لحظة كل ما استطاع من خدمات للمخزن، من أجل أن ينال المناصب العليا ويحافظ له على امتيازات مالية ومكانة اجتماعية، تضمن له الاغتناء السريع، وهذا ما جسده عمليا، في خطوة تبادله "الغنائم" مع خازن المملكة بنسودة، مباشرة قبل مغادرته كرسي وزراة المالية في عهد عباس الفاسي.
لكن الذي يستحق ايضا اللغط حوله، هو حزب العدالة والتنمية وزعيمه، صاحب اللسان الطويل ، فهذا الرجل قال في مزوار قبل أشهر معدودات، مالم يقله مالكا في الخمر، لكن مباشرة بعد بروز مشكلة الائتلاف الحكومي، سارع بنكيران بشكل متهافت لتبييض وجه مزوار، وذلك من أجل ضمان بقاء حزبه في السلطة، بحس براغماتي يضرب في العمق كل ادعاءات حزب بنكيران، حول ضرورة ربط الأخلاق بالسياسية وممارسة الشأن العام.
فغضب الرأي العام عن حديث الإعلام منح بنكيران لمزوار وزارة المالية والاقتصاد، ناتج عن مسار هذا الشخص في نفس الوزارة، حيث حامت حوله الكثير من الشبهات بالفساد، بل المثير في الأمر أن مزوار لازال لم يقدم نفسه بعد للتحقيق في ملفات سابقة، رغم أوامر النيابة العامة بفتح تحقيق معه.
مما يدفعنا للتساؤل: كيف سيقنعنا بنكيران أن مزوار المتهم بالفساد في ملف تبادل الغنائم، هو نفسه مزوار الذي سيقود اصلاحات حكومته؟، فهل يوجد ضرب صارخ لتخليق الحياة السياسية أكثر من هذا يا قادة حزب المصباح؟.
وبشكل مثير للشفقة والسخرية، خرج في تصريح احد صقور الحزب وأكثرهم كلاما، البرلماني عبد العزيز افتاتي معتبرا أن تعيين مزوار في المالية لن يثني الحكومة عن الاصلاحات !!.
هذا العبث السياسي الذي نعيشه، يجعل من عملية استبلاد الشعب من طرف النخب الحزبية الرسمية، عملية مستمرة ولا تعرف قطيعة، فكما تم تسفيه عمل حكومة التناوب في عهد عبد الرحمان اليوسفي، عندما فرض المخزن الجلاد ادريس البصري في وزارة الداخلية، يأتي اليوم الدور على حكومة بنكيران، بقبول تعيين مزوار وزيرا للمالية، مما سيجعل من هذه الخطوة أخر مسمار في نعش مصداقية هذه الحكومة الهجينة.
فرهان البعض على تكريس ممارسة دستورية سليمة، من خلال احترام دستور 1 يوليوز، الذي أعطى للحزب الأول الفائز بالانتخابات حق ترأس الحكومة، أصبح مجرد سراب، لأن ما يمنحه الدستور باليد اليمنى، تأخذه منك قوانين الانتخابات باليسرى.
فبنكيران نفسه صرح في لقائه الأخير مع شبيبته، أنه جاء لإطفاء نار الاحتجاج الشعبي السياسي، وبما أن أصحاب الحل والعقد في دار المخزن، يعتقدون أن سفينتهم قد نجت من عاصفة الربيع الديمقراطي، لم يعد لبنكيران وحكومته المشلولة أي دور، سوى التطبيع مع النخب القديمة المسؤولة عن سوء التدبير وكل المشاكل التي يتخبط فيها المغاربة.
فالمخزن هو الوحيد في هذا البلد الذي ظل وفيا لعقيدته التي تعتمد على ضمان الولاءات، عبر تعيين أشخاصا أوفياء له في المناصب العليا، أكثر من البحث عن الكفاءات السياسية وأصحاب الأفكار والنزاهة، الذين يحملون توجهات إيديولوجية أو حزبية، ستنافس المخزن على شعبيته، مما دفع بآلة المخزن للاشتغال على تسفيه وإفراغ جل الأحزاب الرسمية من رصيدها الشعبي والنضالي.
فكل المؤشرات تقول أن البجيدي لن يحيد عن هذا المسار المرسوم من "مسامر الميدة" في دار المخزن، مادام اختار قادة المصباح، الكرسي الفارغ في السلطة على المبادئ والقيم والمواقف السياسية.