شهدت مدينة الرباط مسيرة شعبية بعشرات الآلاف للتنديد بمجازر العسكر في حق الشعب المصري، وذلك للتأكيد على الدعم المغربي لاختيارات الشعب المصري في الحرية والديمقراطية، ورفضا لكل أشكل التسلط والاستبداد والقمع الدموي، المرتكبة في حق المواطن المصري. عرفت المسيرة حضورا متميزا لقوى اليمين الديني الاسلامي، وهذا كان منتظرا حيث نزلت جماعة العدل والاحسان المعارضة للحكم المغربي بكل ثقلها في المسيرة، كما حضر أنصار العدالة التنمية، الحزب الذي يقود الحكومة وبعض من رموز التيار السلفي، وجزء من شباب حركة 20 فبراير التي تطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية جذرية في المملكة، وبعض الشخصيات العلمانية والحقوقية الرافضة للانقلاب العسكري بمصر. تميزت المسيرة بشعارات تنديدية بالقمع الدموي للمحتجين السلميين بمصر، كما طالب المحتجون برحيل السفير المصري في المغرب، وشعارات أخرى منددة بالموقف المغربي الرسمي الداعم للانقلاب العسكري بمصر. المسيرة الضخمة المنددة بسفك دماء مصر، منذ يوم الدعوة إليها، أثارت الكثير من النقاش على المواقع الاجتماعية، ما بين نشطاء علمانيون وآخرون اسلاميون. فبعض أعضاء التيار العلماني بالمغرب، يرون في التضامن مع الشعب المصري هو مجرد دعم للتنظيم الدولي للاخوان المسلمين، وذلك في فهم سطحي لحقوق الانسان والشرعية الدستورية. فالتظاهر ضد التقتيل الهمجي، هو موقف انساني نبيل، كما أنه لا يمكن التعاطي بمنطق سياسوي في مثل هذه المواقف الانسانية، فالمحرك الاساسي في رفض القمع الدموي هو الحفاظ على حق الانسان المقدس في الحياة، وليس دعم جهة سياسية معينة بعينها. كما ان غياب بعض اطراف الاسلام السياسي عن قضايا وطنية، جعل منه بعض أعضاء التيار العلماني مطية لمحورة النقاش الاساسي حول عنف الجيش في مصر. وفي هذا السياق، أثار البعض هنا غياب أطرافا من الإسلام السياسي عن معركة "دانيال كَيت"، في محاولة منهم لتبرير عدم وطنية الإسلام السياسي المغربي، لكن هذا المنطق في التحليل يبقى قاصرا، لأن غياب الاسلام السياسي عن قضية دانيال كيت هو يحسب عليهم وليس لهم.فلماذا لا يخرج بعض أطراف التيار العلماني للتنديد بسفك دماء الشعب المصري، مادام غياب الاسلام السياسي عن قضية "دانيال" كان غير أخلاقي؟. فغياب القوى المدنية عن ساحة الاحتجاج يجعلها تعيد نفس الممارسة الخاطئة للاسلام السياسي في قضية "دانيال". فقضية الشعب المصري ليس قضية اسلام سياسي فقط، بل هي قضية شعوب العالم كلها، لأن المجازر المقترفة هي جرائم ضد الانسانية، وتتطلب التنديد بها ورفضها وشجبها من طرف جميع العقلاء في العالم باختلاف مرجعياتهم الفكرية والإيديولوجية والعقدية والاثنية، فالانسان في مواثيق حقوق الانسان فوق المعتقد والاديولوجيا. المحاسبة والبولميك السياسي شيء ايجابي في قضايا معينة، لكن عندما يتعلق الامر بقضية تقتيل جماعي ومجازر دم، فالأمر لا يحتمل لمنطق "العصا في رويضة"، بل وجب تكاثف جميع الجهود، للوقوف في صف واحد، من اجل الانتصار للإنسانية. فالموقف الذي تم تسجيله اليوم في مسيرة الرباط، هو موقف التنديد والشجب والرفض للقمع الدموي للمصريين، وليس هناك فصيل سياسي بعينه رابح في هذه المسيرة، بل كان الانتصار فقط للقيم لإنسانية النبيلة، وذلك مهما اختلفنا مع الخلفية السياسية للداعين لها.