أنا بريء من كل ما كتبت سابقا في هذا الموقع، كل الجمل التي كتبتها وكل الأفكار البليدة والسمجة التي عبرت عنها هي الآن دون معنى في ذهني، وأتراجع عنها بمسافة تقدر بفراسخ بحرية وأميال ترابية عديدة... يعود الفضل في مراجعتي هذه إلى ما يطلق عليه باسم الفاعلين السياسيين، والذين بممارساتهم وخطاباتهم خلال الفترة الأخيرة، ظهر لي خطأ خطابي وبان غيي وحمدت الله كون ما أكتبه لا يقرأه الكثيرين بفضل جميل الأمية المتفشي بين أبناء هذا الوطن ومحدودية قراءة المتعلمين بشكل عام... كان أول الفاعلين السياسيين الذين تعلمت منهم الحكمة التي ما بعدها حكمة، هو الملك... في تعاطيه مع ما سمي بالأزمة الحكومية التي عرفتها الأغلبية السياسية في البلاد... والتي صادفت سفره إلى الخارج... كنت أعتقد أنها نوع من اللامبالاة واستخفاف بمؤسسة الحكومة بصفتها مؤسسة دستورية وهو ما يعني في جوهره استخفاف بالدستور بذاته... لكن جوهر الرسالة والحكمة البليغة في سفره هذا، هو تبليغنا نحن الرعايا في جوهرنا، رغم قشور المواطنة التي نتشبث بها، لا نحتاج إلى حكومة أصلا كي تسير البلاد، أو بالأحرى لا نحتاج إلى السياسة في الحكومة... فالبلاد لم تتعطل على مدى الأسابيع الثلاثة وحكومتها، على رغم من قرار انسحاب أحد أهم مكوناتها السياسية، إلا أنها استمرت في الاجتماع والعمل والقرار.... وكل ذلك بفضل غياب صاحب الجلالة... ثاني الفاعلين السياسيين هم الأحزاب السياسية، والتي عند استشعارها بقرب عودة الملك إلى البلاد، مرت إلى السرعة القصوى في أداءها السياسي... إذ عمد حزب الاتحاد الاشتراكي إلى مبادرة ترميم خدوش كانت على وجهه منذ 2006 بإعلان قرار بداية مسلسل الاندماج السياسي بينه وبين الحزب العمالي والحزب الاشتراكي واللذان خرجا في الأصل من رحمه، وهي مبادرة كان الهدف منها إحداث تلك الفرقعة الإعلامية الطفولية، لتقول للمشهد السياسي "أنا هنا" وسط الضجيج الذي أحدثه بنكيران وشباط وروافدهما... إذ لا أحد سيصدق مثلا أن بنعتيق سيتخلى عن دكانه حيث هو السيد المطلق، يستدعيه القصر الملكي بهذه الصفة حين يحتاج إلى ذلك، ويوقع التزكيات للمناضلين الأشاوس في المعارك الانتخابية لتنتهي به الحياة السياسية إلى مجرد مناضل في طابور الاتحاد الطويل قد لا يحظى بأي التفاتة وفق منطق الديمقراطية والصراع في حزب الاتحاد الاشتراكي الأم... في ذات رفع سرعة الأداء، كان على حزبي الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية أن يوضحا لعموم المغاربة معنى السياسية ومعنى ممارستها... خاصة وكما سلف الذكر أعلاه، فهي ليست مرتبطة بالتدبير الحكومي، كما برهن على ذلك غياب الملك... السياسة وفق هذين الحزبين، ووفق الأحزاب الأخرى التي تدور في فلكها هي عملية صيد "الحلوف" وهو الخنزير البري... فحين استعمل بنكيران كلمة "الحياحة" وهم بالمناسبة أولائك القرويون الذين ينتظمون في خط طويل أفقي يمشطون رقعة جغرافية معينة يفترض أن الخنزير البري يرعى فيها، وذلك بغية توجيهه نحو وجهة معينة.... فهم السيد الباكوري أن حزبه وأحزاب أخرى، ربما منها الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال وغيرها أنهم المعنيون وكان (أي الباكوري) بأريحية كبيرة وهو يرد أن الحياحة يقومون بعملهم حين يستشعرون قرب الحلوف... وهو يعني هنا بنكيران طبعا... في لعبة القنص هذه والتي لا علاقة للمواطن بها، كونه فقط يشبه تلك الأرض الندية التي تعاث بأقدام الحياحة وبحوافر الحلوف، ينقصها (أي اللعبة) القناص... ذلك القابع في ناصية الرابية، وماسكا بندقيته مصوبا إياها اتجاه منبع صوت الحياحة منتظرا خروج الحلوف من بين الأشجار والأعشاب كي يصوب طلقته إلى جبينه ويرديه جريحا أو قتيلا... في مرات عديدة، حين تكون المسافة بين الحياحة والحلوف قصيرة يحدث أن يصاب بعض أفراد الحيحة بطلقات القناص.... لست مسؤولا عن صورة القناص التي يمكنها أن تتبلور في أذهانكم جراء قراءتكم لما هو أعلاه.... فقط أود الإشارة إلى أنه بالأمس طافت في القنوات الإعلامية، وفي المواقع الاجتماعية صورة للمناضل عبد الحميد أمين، الرئيس السابق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان وهو ملقى على الأرض جراء تعنيفه من طرف قوات الأمن إثر قمعها لوقفة احتجاجية لحركة العشرين من فبراير... فقط هي الجمعية التي تبني على تقاريرها المنظمات الدولية مواقفها اتجاه تطور ملف حقوق الإنسان في المغرب وهي الجمعية التي تهرول الدولة للرد على بياناتها.... وكل حيحة وحلوفكم بخير...