أكاد أنسى أن الفنان أحد السنوسي، بزيز، ممنوع، لكنه مشكورا يذكرنا بذلك، بين الفينة والأخرى يقولها ويختفي. لقد أصبح الأمر معروفا، لأن بزيز هو المعني بهذه القضية، وحينما يقول إنه ممنوع، فيجب أن نقول نحن أيضا بزيز ممنوع، وعلينا أيضا أن نتضامن. بزيز يعرف أكثر من غيره أنه فعلا ممنوع، منذ سنوات وهو يقولها، ويظهر كثيرا وفي كل مكان كي نسمعها منه.
كأن بزيز يشك في أن أشخاصا يشكون في أنه حقا ممنوع، ولذلك لا يمل من تكرارها، كي يؤمن الجميع بذلك.
ما أؤاخذه على بزيز هو أنه لا يبذل أي مجهود لنرى فنه الممنوع ونسمعه، لا يقاوم المنع ولا يتسلل من بين الثقوب، وهمه الوحيد أن نتيقن أنه ممنوع، ولو بدون فن، وكي ينجز بزيز عملا جديدا فإنه يشترط زوال الحصار الذي يتعرض له.
العمر يتقدم ببزيز وبنا جميعا، ونحن ننتظر أن يزول المنع، والأجيال الجديدة خاصة محرومة منه، لأنها فتحت أعينها على قصة المنع هذه، وتنتظر الفرصة لتراه وتسمعه.
لا بد أن بزيز يشتغل على فن خطير وعلى سخرية ستقضي على السلطة في هذا البلد، وإلا لما منعوه كل هذه السنين، لقد ظهر الجمهوريون والملاحدة والسلفيون والعدميون والإرهابيون في المغرب، وكلهم يتكلمون دون أن يمنعهم أحد، وهذا يعني أن بزيز أخطر منهم جميعا وأن فنه أخطر من الخطر.
لا ينسى بزيز وهو ممنوع أن يكتب في الجرائد، أحيانا يكتب كل يوم، دون أن يمنعه أحد، وحينما لا يكتب يعطي التصريحات ويعبر عن مواقفه السياسية ويخرج في المظاهرات، لكن يبدو أن مكمن الخطورة يوجد في فنه، وهو على خشبة المسرح أو مسجلا في التلفزيون، ويتوقع الذين يمنعونه أنه سيتفرقع وأنه بمجرد مروره في الشاشة سيسود الخراب وستعم الفوضى وسيكتشف الناس الفساد وتقوم الثورة.
قبل سنوات قال وزير لبزيز أنت الآن غير ممنوع، تفضل وادخل إلى التلفزيون، وقال له الوزير أتحفنا، لكن بزيز رد عليه وأفحمه: لا أنا ممنوع ولن أدخل ولن تنطلي علي الحيلة.
بزيز مناضل صلب وصاحب مواقف ويمكن أن يتنازل عن أي شيء إلا على كونه ممنوعا، فلا فنان يستحق هذا الاسم إذا لم يكن ممنوعا، وحتى لو زال المنع ودخل أحمد السنوسي إلى الدستور كشخص غير ممنوع، فإنه سيرفض ذلك، وسيعترض، وسيفهم بحسه الساخر أنها محاولة أخرى لتدجينه.
يمكن لبزيز أن يستغل الإمكانات التي أصبح يتيحها الأنترنت، أن يمتعنا بفنه الهادف والملتزم والخطير في اليوتوب، ويمكن أن نتبادل أعماله وننشرها في الفيسبوك، وأن نوزعها في الأسواق ونطرق الأبواب لنمنحها مجانا لجمهوره، يمكن أن نفعل الكثير من أجله نكاية في هذه الدولة الشريرة التي لا تكف عن منعه، ولا نطلب منه إلا أن يبادر وينجز لنا عملا فنيا جديدا، وأن يخلو قليلا إلى نفسه كي يبدع كما يفعل الفنانون، لكنه يرفض ويقول لنا إنه ممنوع ممنوع ممنوع، ومن المستحيل أن يبدع وهو مهدد بالمنع، وإنه مضطر إلى أن يهاجر ليضحك الآخرين الذين يقدرونه، وحين يحكي لهم أنه ممنوع، سيقدمونه إلى الجمهور، هنا في المغرب، على أنه فنان ممنوع، وسنعرف ذلك مرة أخرى، وسيكون موضوع عمله الفني أنه ممنوع، مع فرق كبير أنه سيقولها وهو في الخارج، وسيذكرنا، نحن هنا في الداخل، كي لا ننسى، وسنتمتع بهذه القصة الفريدة وبعودة الممنوع الذي لا يعود إلا ليبقى ممنوعا، وفنان الشعب الذي لا يقبل أبدا أن تتجرأ السلطة عليه وتفك حصارها عليه.