ها هو حميد شباط ينجح في الانقلاب على آل الفاسي، و بمدينة الصخيرات بالضبط، و هو مكان له دلالته الخطيرة في التاريخ السياسي المغربي، فبعدما، نظم حملة انتخابية على "الطريقة الأمريكية" لخوض غمار الحسم بالصخيرات، جاء الرجل "ليتبورد" على الشيخ عباس الفاسي و مريديه، و يوظف ضده و ضد مرشحه، كل مهاراته الانتخابية التي اكتسبها خلال مشواره السياسي والنقابي الطويل، مستغلا إلى حد كبيرالأخطاء القاتلة لمنافسيه. لقد اعتقد الجميع أن نجاح شباط لن يصل إلى نهايته – و التي كانت تبدو مع ذلك منطقية - فقد ظن العديد من المراقبين أن اليد الخفية ستتدخل في الحزب في آخر لحظة لتعيد الأمور إلى نصابها المعهود، و تمنع وصول شباط المشاكس الى قمة هرم السلطة في حزب الاستقلال، أو أن حزب الاستقلال سينتفض لنفسه وينتصر لتاريخه، غير أنه لم تتدخل أي يد خفية و لا ظاهرية، و لم يجرؤ أي واحد على التدخل لثني شباط عن المضي في "معركته الممتعة" ضد قيادة استقلالية شائخة أنهكتها تطاحنات حروب الاستوزار، و أفقدتها محاولة احتكار المنافع الحزبية لصالح الفروع و الأصول إمتدادها داخل الحزب، و هو ما مهد الطريق لتيار شباط من أجل النجاح بسهولة و بفضل أخطائها القاتلة اولا، و ثقتها الزائدة في النفس ثانيا، باعتقادها أن شباط و التيار الشباطي سيظل دائما ذلك التيار الخدوم و المهادن للعائلة الحاكمة في الحزب. غير أن شباط الذي كان ضد الربيع العربي وطنيا، و الذي هاجم مناضلي 20 فبراير في عدة مناسبات، لم يتوان لحظة عن ركوب روح هذا الربيع بالذات حزبيا، بعد استشعار تجذره داخل نقابيي حزبه، و استغلاله لذلك التذمر الخفي ضد كل ما يرمز إليه آل الفاسي بالنسبة للاستقلاليين الجدد، من شرعية تاريخية و سلطة ثقافية و توريث...الخ شباط الذي يستحق لقب الانقلابي الذكي، سبق له أن انقلب على الدولة عندما ساهم في تأجيج انتفاضة 14 دجنبر 1990، و إحراق مدينة فاس، و بعد خروجه منها قويا سياسيا و نقابيا، إثر محاكمته القضائية التي حاز خلالها على البراءة في نصف جولة، استثمر ذلك النجاح المخدوم في قيادة انقلاب مدو على الاستقلالي أحمد مفدي عندما كان هذا الأخير رئيسا للمجموعة الحضرية بفاس، ولم يكف شباط عن قيادة الانقلابات داخل حزبه و داخل نقابته، حيث أسقط عبد الرزاق افيلال بالضربة القاضية، و حين أضعفه إلى درجة الوهن راح يعلن تضامنه معه، و يستثمر ما تبقى لديه من رصيد عبر أخذ الصور إلى جانبه عند مثوله أمام القضاء، و هو القضاء الذي لم يسلم بدوره من هجمات شباط، الذي لم يتوان لحظة عن قلب الطاولة عليه و نعته بالإرهابي تارة و باللفساد تارة أخرى، و اتهامه باستهدافه و استهداف أبنائه...الخ سيعود شباط مرة أخرى للإنقلاب على الأندلسي الذي وضعه مؤقتا على رأس النقابة، ليزيحه بشكل مهين و يتهمه بخيانة الأمانة، و يهدده بجره إلى ساحة القضاء. و اليوم يقود شباط ثورة العبيد ضد البرجوازية الفاسية العتيقة، في شخص ال الفاسي، الذين اعتبروه يوما ما فارسا من فرسان معبدهم، و استحسنوا عنفه اللفظي و جرأته في مواجهة خصومهم، و سخاءه في تمويل أنشطتهم من طنجة إلى الكويرة، و تصديه بصدر عار لهجمات "البام" عليهم ، متهما رجال الأصالة والمعاصرة بأفظع التهم. لقد صور شباط دور (العبد) الذي فرضه عليه آل الفاسي (السادة) بشكل معبر للغاية عندما ساق في إطار مهاجمته لعباس الفاسي و صهره نزار البركة بيتا شعريا من قصيدة فخرية لعنترة ابن شداد تقول: قد كنتُ فيما مضى أرعى جمالهم***واليوم أحمي حماهم كلما نُكبوا و يبدو أن السيد شباط أعجب بهاته القصيدة لأنه يرى يرى ذاته في عنترة بن شداد العبسي، الذي ظلمه بنو عبس (أو عباس) بمنعه عبلة، رغم حاجتهم إليه في معاركهم ضد العدو، و هو ما عبر عنه عنترة في الأبيات الموالية بقوله: لئن يعيبوا سوادي فهو لي نسبٌ***يوم النزال إذا ما فاتني النسب كما أن شباط الذي اعتبر نفسه عنترة زمانه، لا شك أنه أعجب بالأبيات التي تخاطب النعمان (عباس) فيها: إن كنت تعلم يا نعمان أن يدي***قصيرة عنك فالأيام تنقلب إن الأفاعي وإن لانت ملامسها***عند التقلب في أنيابها العطب اليوم تعلم يا نعمان أي فتى***يلقى أخاك الذي قد غره العصبُ شباط اليوم إستطاع أن يزيح عقلية إستقلالية مدينية مستبدة و شائخة ظلت لعقود تعتقد أن تعيين الأمين العام مسألة عائلية وراثية، لصالح عقلية عنترية انقلابية و مجازفة، تزاوج بين التهديد بقلب الطاولة و الأكل من على سطحها أو من تحتها، و تعد بتوزيع الغنائم على جميع خيالته. أو كما قال عنترة بن شداد في قصيدته: فتى يخوض غمار الحرب مبتسماً***وينثني وسِنان الرمح مُختضبُ إن سل صارمه سالت مضاربه***وأشرق الجو وانشقت له الحجب فالخيل تشهد لي أني أكفكفها***والطعن مثل شَرار النار يلتهبُ إذا التقيتُ الأعادي يوم معركةٍ***تركت جمعهم المغرورَ ينتهبُ لي النفوس، وللطير اللحوم، ولل***وحش العظام، وللخيالة السلبُ لا أبعدَ الله عن عيني غظارفةٌ***إنساً إذا نزلوا جناً إذا ركبوا أما للذين نسوا طموح شباط الجامح للسلطة نذكرهم أن شباط سبق له أن جس نبض الفاسيين عندما ترشح ضد عباس الفاسي خلال المؤتمر الذي نصب فيه هذا الأخير خلفا امحمد بوستة، غير أن بحدسه الإنقلابي المرهف فطن إلى أن الحزب لا يزال قويا بقياداته التاريخية، و أنه من الأفضل له أن يتراجع خطوة إلى الخلف، و أن يتظاهر بأن الأمر مجرد مزحة سياسية أو نكتة طريف لا تستدعي أي تخوف، معبرا فيما بعد بأنه لا يطمح إلى الأمانة العامة عبر قوله في إحدى البرامج التلفزية "رحم الله امرأ عرف قدر نفسه"، غير أن عباس الفاسي ربما استشعر فضل القيادات التاريخية عليه في توليته قيادة الحزب عبر السلطة الأبوية لمجلس رئاسته، حينما كانت تلك السلطة الأبوية لا تزال تجد لها أبناء يبرون بها، و هو ما يفسر القبلة الشهيرة لعباس اللفاسي على يد امحمد بوستة، و التي جابت الصفحات الرئيسية للصحف الورقية والالكترونية آنذاك.