مناسبة هذا العنوان هو توالي قرارات حكومية تستهدف حقل استعمال اللغات أو المنتوج الفني والثقافي، والقاسم المشترك بين كل هذه القرارات هو إقصاء الأمازيغية لغة وثقافة وحضارة. فبعد التنصيص الدستوري على الأمازيغية لغة رسمية لأول مرة في تاريخ المغرب الحديث سنة 2011، أتى التصريح الحكومي كذلك مختلفا عن سابقيه في هذا المجال، حيث جاء فيه "ضرورة تقوية اللغتين الوطنيتين الرسميتين العربية والأمازيغية في إطار يحفظ الوحدة ويضمن التنوع.. وفق جدولة زمنية تراعي المجالات ذات الأولوية، واعتماد منهجية تشاركية مع مختلف الفاعلين في مجال النهوض باللغة والثقافة الأمازيغيتين".
ولكن هذا التفاؤل الذي قد توحي به الوثيقة الدستورية والتصريح الحكومي، سرعان ما تلاشى بتوالي الأداء الحكومي الذي شابته العديد من الاختلالات. فبعد مرور أزيد من ثلاث سنوات ونصف من عمر الحكومة لم تتخذ ولو مبادرة لإماطة اللثام عن صياغة القانون التنظيمي الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، وبالمقابل بادرت الحكومة إلى تحريك قانون لحماية اللغة العربية في خطوة تمييزية غير محسوبة.
وعوض أن تسعى الحكومة لتنقيح القوانين المغربية من كل تمييز، وتعمل على وقف النزيف الذي عرفته الفترات السابقة، استرسلت هذه الأخيرة في إصدار قرارات ونصوص تنظيمية حبلى بالتمييز، نذكر منها:
1- القرار المشترك لوزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة والوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية صادر في 19 شتنبر 2012 بتحديد شروط ومعايير وطرق صرف دعم إنتاج الأعمال السينمائية، حيث نصت المادة 3 منه صراحة: "على أن يكون السيناريو مرفقا بنسخة باللغة العربية في حالة تقديمه بلغة أخرى" مما يجعل اللغة العربية هي اللغة الوحيدة المقبولة لدى لجنة دعم الأفلام، وتم استبعاد الأمازيغية من الحقل السينمائي الذي يعتبر في العصر الراهن حيويا لانتشار اللغة وتطورها.
2- مرسوم لوزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة صادر في 12 أكتوبر 2012 بنشر دفتر تحملات القنوات العمومية والذي منح للأمازيغية حصة بث لا تتجاوز 6.55 % من مجموع 29 مؤسسة إعلامية عمومية.
3- قرار وزير التجارة والصناعة والاقتصاد الرقمي بتاريخ 12 ماي 2014 بخصوص كيفيات تنفيذ الالتزامات المرتبطة بالمنتوجات والخدمات، الذي يُقصي الأمازيغية كلغة لتقديم المعطيات والمعلومات للزبناء، ويُلزِم عارض الخدمة أو المنتوج بتقديم المعلومات باللغة العربية واللغات الأجنبية دون ذكر للأمازيغية.
4- قرار للسيدة وزيرة الصناعة التقليدية بتاريخ يونيو 2014، بخصوص تنظيم التكوين في شعبة فن الخط الذي فتح شُعب التكوين في فن الخط العربي متجاهلا الخط الأمازيغي تيفناغ، رغم أن هذا الحرف يستعمل منذ قرون في الصناعة والتجميل كالوشم والنسيج والزرابي والفخار وغيرها.
5- إعلان عن مباراة الولوج لمراكز الجهوية للتربية والتكوين برسم الموسم 2014/2015، الذي خصص 120 مقعدا للأمازيغية، ولكنه فرض شروطا تعجيزية على الحاصلين على الإجازة في الدراسات الأمازيغية من قبيل الإدلاء بشهادة التسجيل في المسالك الجامعية للتربية وهي المسالك التي لا تقبل أصلا الإجازة في الدراسات الأمازيغية. مما يجعل الأمر منعا مُقنّعا ليس إلا !
6- كل الإجراءات الإدارية التي قام بها وزير الداخلية بخصوص رفع الحضر على تسجيل المواليد الجدد بأسماء أمازيغية لا ترقى لمستوى الحل الحقوقي الجذري لهذا المشكل، ونسجل استمرار المنع، إذ تجاوزت حالات المنع في عهد هذه الحكومة 40 حالة في المغرب وخارجه.
7- نتائج لجنة دعم المجال الموسيقي بوزارة الثقافة، الصادرة في يوليوز 2014، والتي لم تمنح الدعم لإنتاج أي عمل موسيقي أمازيغي، ووزعت ما يفوق 2 مليون درهم في إنتاج 17 عمل موسيقي بلغات أخرى.
يمكن اعتبار كل ما سلف حصيلة - مؤقتة ومختصرة - لحكومة السيد عبد الإله بنكيران في إقصاء الأمازيغية من السياسات العمومية، مع استمرار العمل بنصوص قانونية تكرس التمييز ضد الأمازيغية منذ عهد الحماية إلى اليوم.