الآشوريون السريان والكلدان والسومريون كانوا في العراق وفي المنطقة كانوا أصل العالم كانوا في بابل في بلاد الرافدين في الملاحم والآثار وهم من فرّقت بسببهم الألسن كانوا مبرر وجود اللغات والأجناس قبل أن تظهر الديانات كان لهم دينهم كانوا في نينوى والموصل كانوا في أوروك التي صارت الوركاء بالعربية الفصحى كانت آشور وكانت بابل وكان نبوخذ نصر كانت لهم الأسماء وهم الذين اخترعوها كان لهم القانون كانوا هم العراق قبل أن يظهر العرب قبل أن يظهر الإسلام والمسيحية كانوا هم الأصل قبل ظهور صدام حسين والشيعة والسنة وأصبحوا مسيحيين قتلناهم في الماضي وكان العرب في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين يدخلون قرية أشورية ويبيدون أهلها بالكامل لا يتركون طفلا ولا شيخا ولا امرأة وكم من مجزرة ارتكبوها وكم من القرى الصغيرة التي أبادوا سكانها بالكامل وكان مسيحيو العراق يخافون من أسمائهم في زمن القومية العربية وصدام حسين كانوا يغيرونها إلى أسماء عربية خالصة لينجوا بجلدهم وهم اليوم يغادرون منازلهم مرة أخرى القلة القليلة التي نجت من مسيحيي العراق تفر بجلدها إلى مدينة أين تلك المدينة التي كان يبحث عنها الشاعر الأشوري سركون بولص ولم يجدها ولم يصل إلى مدينة أين القلة القليلة تفر من رغبة العرب والمسلمين في إبادتهم في الوقت الذي تقصف فيه إسرائيل غزة يجمع مسيحيو العراق أغراضهم على عجل ويهربون من داعش التي خيرتهم بين اعتناق الإسلام أو دفع الجزية أو القتل يهرب الضحية من الضحية يهرب الأشوري من العرب المسلمين القتلة يهرب من إسرائيل أخرى بل أبشع من إسرائيل أطفال صغار يهربون من الموت وفتيات يحملن بقجا فيها ملابس وحلي وعطور قديمة وتوابل بقجا معقودة على آلاف السنين من رائحة العراق وتاريخه وأمهات مهاجرات إلى مدينة أين وآباء يتركون بيوتهم وكنائسهم ويهربون لا يلوون على شيء يحملون معهم شمع الكنائس ونور الطريق بنظرة الألم بنظرة المسيح بغصة غدر العراق بهم بالدمعة المحبوسة في العين لا يبكون بل فقط ينظرون إلينا لنشعر بقسوتنا ووحشيتنا نظرات نسائهم وأطفالهم فيها اتهام لنا وفيها مقاومة سلمية للذين يرغبون في إبادتهم والقضاء على آخر آشوري في العراق على آخر مسيحي لا يصرخون كما تفعل الأقوام الأخرى ونادرا ما يصورهم أحد نادرا ما يتعاطف معهم عربي مسلم إنهم مجرد أهل ذمة والواجب هو التخلص منهم ليصبح العرق العربي خالصا لقد تعرفت على أهلي الآشوريين تعرفت عليهم في الشعر والأدب عشت مع مسيحيي العراق في الخيال دخلت مع سنان أنطون إلى الكنيسة في رواية يا مريم واستعمت إلى حكايات والد وجد سركون بولص وضحكت مع صمويل شمعون الذين ظنه السوريون يهوديا بسبب اسمه واعتقلوه أحببت الهامش مع الشاعر جان دمو إني أشعر أنهم عائلتي أحببت أسماءهم وتمنيت أنا أيضا لو كان اسمي جان أو سركون أو صمويل وأكتب بالعربية الفصحى كنت أتمنى أن أكون أشوريا وأن أحمل معي كل ذلك التاريخ وهذه الأسماء الجميلة والرنانة وها هم أهلي اليوم يهجرون مسيحيي العراق ها هم أهلي يهددونهم بالإبادة يهددون من اخترع الأسماء ومن اخترع الحياة وأتذكر إسرائيل وأشاهد صور غزة ورحلة الآشوري ووصوله إلى مدينة أين وأتذكر الشاعر الأشوري العراقي الراحل سركون بولص وأتذكر ديوانه حامل الفانوس في ليل الذئاب أتذكر سركون بولص في قصيدة عدوي:
عدوي جاء من الماضي يجيء دوما من الماضي قبل تيمورلنك. بعد هولاكو. بعد الطوفان. قبل الخراب. بتاريخه الميت المتذرذر في التراب، بوجه الذي يغطيه الصدأ بقلبه الذي له شكل خوذة مليئة بالتراب.
وفي ديوانه" عظمة أخرى لكلب القبيلة" كتب سركون بولص رسالته:
قلت أكتب إليك بينما الله يسمح لهؤلاء أن يكتبوا مصيري هذا ما يجعلني أشك في أنه الله.