عندما عين مصطفى الخلفي وزيرا للاتصال، أدرك مسؤولو القطب العمومي أنهم سيعيشون مع حكومة بنكيران زمنا مختلفا عن ذلك الذي عاشوه مع الوزير التقدمي خالد الناصري. فهذا الأخير كان من أشد المدافعين عن القطب العمومي ولم يكن يجد أي حرج في لعب دور المحامي في كل قضاياه سواء في المجالس الحكومية أو تحت قبة البرلمان أو حتى في التصريحات الصحافية. تارة يتسلح بردود سياسية قوية وتارة بردود تقنية مستنسخة عن أرقام ماروكمتري. ولازال الكل يتذكر عبارته الشهيرة تحت قبة البرلمان عندما دعا إلى "تشكيل جبهة للتصدي لمن يرسم لوحة سوداء عن الإعلام العمومي بعدما تحول النقد التلفزيوني إلى رياضة وطنية شائعة يمارسها الكل وتحمل الكثير من التبخيس والإهانة وإصدار الأحكام التي تتميز بالشطط في غلوها وابتعادها عن الموضوعية". وحتى عندما كان يواجهه نواب العدالة والتنمية أنذاك بأسئلة محرجة ويتهمونه باعتماد لغة الخشب، يستشيط غضبا. تماما كما حدث عندما اتهمت النائبة البرلمانية بسيمة الحقاوي القناتان العموميتان الأولى والثانية ومعهما الوزارة الوصية، بالرقص على جثث ضحايا حريق ليساسفة، مطالبة بتقديم اعتذار للمشاهد المغربي أو تقديم استقالة جماعية وذلك عقب إصرار القناتين على المحافظة على برمجة سهرتين ليليتين في نفس اليوم الذي وقع فيه حريق ليساسفة الذي أودى بحياة أكثر من 30 شخصا. وزير الاتصال خالد الناصري غضب حينها من هجوم رفاق بنكيران، قبل أن يرد متهما بدوره المعارضة بالاتجار في آلام المواطنين. وعندما وجه له سعد الدين العثماني سؤالا عن ضعف البرامج الدينية في التلفزيون، أجابه بأنها متنوعة وتبث بين الساعة الرابعة والسادسة صباحا وهي موجهة لمن يستيقظون لأداء فريضة صلاة الصبح. لتهتز قاعة الجلسات حينها ضحكا. كما كان لا يتردد في التأكيد على امتلاك التلفزيون المغربي لنسب مشاهدة جد محترمة تقاس بأدوات موضوعية. أما الوزير الخلفي، فمنذ أن حط الرحال في الوزارة شهر يناير الماضي وهو يهاجم القطب التلفزيوني العمومي، فتحول إلى "مغرق" لا يتردد في توجيه السهام إليه كلما أتيحت له الفرصة. آخر مثال على ذلك ما صرح به مؤخرا بالبرلمان جوابا على سؤال لفريق حزبه بخصوص برنامج "تنغير جيروزاليم" الذي بثته القناة الثانية في مارس الماضي، حيث دعا إلى فتح تحقيق داخل القناة لمعرفة أسباب بث القناة لبرنامج مماثل في ليلة ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا وتسمية الاحتلال الاسر ائيلي بذكرى الاستقلال، في محاولة لاتهام القناة بالتطبيع. أضف إلى ذلك انتقاد الاختيارات البرامجية لدوزيم التي تعتمد المسلسلات الأجنبية واللغة الفرنسية في ضرب للهوية المغربية وتهديده بكشف الخروقات المالية للتلفزيون العمومي وللصفقات المشبوهة في قطاع الإنتاج ووصف سليم الشيخ والعرايشي بالموظفين الذين لا يحق لهما معارضة السياسة الحكومية في المجال بعد أزمة دفاتر التحملات. فهل يستمر الخلفي في دوره طيلة ولايته الحكومية أم سيتم وقف إطلاق النار وإعلان المصالحة بعد التدخل الملكي في أزمة دفاتر التحملات؟