كان السوريون سعداء في العامين الأخيرين، ينعمون بالسلم وبوجه سلاف فواخرجي الفاتن يطل عليهم في التلفزيون، وكانوا في دمشق ينشدون مع شاعرهم نزار قباني: للياسمين حقول في منازلنا/ وقطة البيت تغفو حين ترتاح/ طاحونة البن جزء من طفولتنا/ فكيف أنسى وعطر الهيل فواح، أما العشاق فكانوا يغنون من نفس القصيدة: كم من دمشقية باعت أساورها/ حتى أغازلها والشعر مفتاح، وكان الأولاد يذهبون إلى مدارسهم فرحين والأمهات يرضعن صغارهن من أثداء يطفح منها الحليب، وكان الجميع يعيشون في نعيم، ويسهر على راحتهم أعدل نظام عرفته البشرية، إلى أن هدد الوحش الأمريكي شآم يا ذا السيف لم يغب يا كلام المجد في الكتب، وأصبح السوريون خائفين ينتظرون ضربة وشيكة من الولاياتالمتحدةالأمريكية وباقي الصليبيين الجدد. لقد كان نظام الأسد العادل والرحيم بشعبه، الذي يعيش نصفه في المخيمات مهجرا وجائعا ويقتل كل يوم بالمئات، على وشك تحرير الجولان وبعدها القدس وكل فلسلطين، ولولا الإعلان عن قرب قصف منشآت النظام العسكرية لتم ذلك في الأيام القليلة المقبلة، حيث وبمجرد القضاء على التكفيريين والإرهابيين والمعارضة غير الوطنية كان النظام يهيء خطة شاملة للنهوض بشأن الأمة العربية ورمي الصهاينة في البحر.
حين أسمع اليوم من يحتج ويرفض التدخل الغربي في سوريا دفاعا عن الممانعة وآخر قلاع المقاومة وشكا في نوايا أمريكا، ومن يناقش ويشك في من قتل الأطفال السوريين بالغاز السام ويجزم بأن المعارضة هي من ارتكب تلك الجريمة، كأن المشكلة في الجهة والطرف وليس في القتل في حد ذاته وإمكانية انقراض شيء اسمه الشعب السوري لو ظل الوضع على حاله، في حرب عبثية ووحشية بين واحد من أبشع الأنظمة التي عرفها التاريخ وبين جماعات إرهابية تلتهم القلوب وتأكل لحم البشر نيئا.
ليس المشكل الآن في تدخل الغرب عسكريا وإنما في تأخر هذا التدخل ودوافعه وأسبابه، حيث لن يغفر التاريخ والإنسانية لقوى عظمى ظلت ولأكثر من سنتين تتفرج على واحدة من أبشع الإبادات التي عرفها العالم المعاصر، لحسابات سياسية وحفاظا على توازنات إقليمية. الذين يعرفون الخبايا والنوايا ويكشفون المؤامرات هم أيضا ضد التدخل العسكري الأجنبي الذي يخدم في نظرهم دولة إسرائيل، ولا يفكرون في أن الشعب السوري الذي من المفروض أنه سيحارب إسرائيل سينقرض وسيزول ويموت بالكامل إذا ما استمرت هذه الحرب البدائية التي لم تشهد البشرية مثيلا لها في أرض ذات حضارة عريقة.
كان على أحد ما أن يتدخل في سوريا ويوقف إبادة الشعب السوري أي أحد يمتلك القدرة على وضع حد للقتل كان عليه أن يتدخل كيفما كان لا فرق بين أمريكا وإسرائيل والعرب والوحوش والحيوانات أي أحد يمتلك القدرة على وقف الموت الشيطان الملائكة الكفار المؤمنون جند السماء الله كان على أحد ما أن يتدخل أي أحد كيفما كان لا فرق أبدا وحين سيتم ذلك سيتم متأخرا جدا.