ما الفائدة من تأكيد إجماعنا على قضية الصحراء؟ بغض النظر طبعا على أن الإجماع في حد ذاته هو آفة حين تصيب شعب ما، لأن منطق العقل السليم، وسيرورة تكوين العقل الجمعي لدى كل فئة اجتماعية، مهما اختلفت تسميتها، أمة أو شعب أو سكان، تجعل من الإجماع خرافة كبيرة، كذبة ديماغوجية تخفي وراءها ما تخفيه... ما فائدة ذلك، مع العلم أن كل الذين يبلغون الخمسين عاما فما تحت من ساكنة المغرب، ولدوا بعد المسيرة الخضراء،أو عاشوا تفاصيلها وهم أطفال صغار وفي أحسن الشروط يافعين لم يشتد عودهم بعد، وشربوا مع ماء الحنفيات وكؤوس الشاي أن الصحراء مغربية، وأن الحسن الثاني وهو يخربش في صورة كبيرة على رمال الصحراء، قد أتمَّ الجهاد الأكبر وهو عودة الصحراء، بعد أن أتم والده الملك محمد الخامس جهاده الأصغر، باستقلال المغرب...
لم يكن بالإمكان التفكير في غير هذا الاتجاه، حتى الذين انخرطوا في العمل السري في المنظمات اليسارية، وخاصة إلى الأمام منها، وهم يتعرفون على شيء اسمه جبهة البوليساريو، وتقرير المصير وغيرها، لم يكونوا يستطيعون النبس ببنت شفة حول الموضوع، إذ أن تهمة الخيانة العظمى كانت جاهزة في مواجهتهم إبان كل محاكمة، وكانت غالبا هي ما تشكل الذريعة المشروعة التي يستعملها النظام من أجل تبرير القمع الذي كان يستخدمه اتجاههم والتنكيل بهم...
حتى إذا انفتحت سماء الإعلام، وهطلت على رؤوسنا قنوات وفضائيات تلفزية ومواقع الكترونية عبر الانترنيت، بدأ المغاربة يعرفون أن هناك طرف آخر في النزاع غير الجارة الجزائر، بدأ بمناوشات صغيرة في رمال الصحراء بغية تحريرها مما يسميه استعماراً مغربيا، ليتحول مع الزمن وبفعل أخطاء المغرب بالتأكيد إلى مشروع دولة حاز اعتراف المنتظم الدولي ولا زال يحقق الكثير من الانتصارات خاصة على الجبهة الدبلوماسية مع تفعيل وقف إطلاق النار منذ 1992... رغم ذلك، بقي المغرب والمغاربة على اسطوانة الإجماع... إجماع على أن الصحراء مغربية، في الوقت الذي كان على الفاعلين السياسيين أن يبحثوا عن إجماع دولي على أن الصحراء مغربية...
تطرح هذه الأسئلة في ظل معطيين أساسيين وجب الانتباه إليهما: أولا،عدم استفادة الأحزاب السياسية من دروس هذا النزاع، وجمودها الذي وصل حد البلادة في مقاربتها للملف، ويتجلى ذلك من خلال استجابتها البليدة لإشارة القصر من أجل العويل باسم الإجماع الوطني حول الصحراء، وذلك إبان مشروع قرار الإدارة الأمريكية التي كانت تنوي طرحه على جدول أشغال مجلس الأمن الدولي.... والذي شكل سحبه فخا آخر لا زالت أرجل الدولة عالقة به، ثم ملامح استجابتها لنفس الإشارة وهي تستعد لتنظيم التظاهرات والندوات والموائد المستديرة من أجل الغناء لنفس الإجماع ونفس الخطاب...
ثانيا ما رشح من حوارات عديدة لصحراويين محسوبين على التيار الوحدوي، منهم العضو في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومنهم ممثل جمعية مفقودي البوليساريو وآخرهم خلي هنا ولد الرشيد رئيس الكوركاس، والذي يستشف منها حذر شديد اتجاه التعبير عن الموقف الإنتمائي من عدمه للوطن بشكل عام، يتحدثون عن التنظيم المحكم لبوليساريو الداخل، عن إهمال الدولة لهم، عن مسؤولية الدولة في قمع المتظاهرين، ثم عن ضرورة تنزيل مشروع الحكم الذاتي بشكل مستعجل.... لا حديث عن مغربية الصحراء من عدمها، ولا حديث عن موقف محدد وصريح...
إذا أضفنا لكل ذا الصمت المريب الذي لاذ به هؤلاء، ونذكر منهم رئيس مجلس المستشارين، الشيخ بيد الله، عائلة ماء العينين الموزعة بين المجلس الدستوري والمجس الأعلى للقضاء، ثم العائدون في إطار ما سمي بالوطن غفور رحيم، ومنهم المعينون كولاة في وزارة الداخلية، وكسفراء متجولون وغيرهم...
ما نحتاجه الآن ليس تأكيد الإجماع الداخلي، والذي يشكل فقط مطية لأحزاب كي تشحذ فينا خطابتها العصماء، بل ما نحتاجه هو تقوية الانتماء إلى المغرب لدى ساكنة الصحراء، بخلق قوة متوازنة بل وضاغطة ضد مشروع الانفصال، قوامها مواطنون يؤمنون بالوطن الكبير أولا، ومسلحين بمشروع دمقرطة حقيقية للحياة السياسية والاقتصادية...
محتاجين أيضا لإجماع دولي على مشروعية المطلب.... دون ذلك لن نكون سوى دولة احتلال، بكل بساطة.