ألم يجد الآلاف من المتظاهرين الذين خرجوا في مسيرة الدارالبيضاء يوم الأحد الماضي للاحتجاج على حكومة بنكيران من وسيلة إلا التفنن في رفع شعارات الشتائم والسباب في وجه رئيس الحكومة. وهل كانوا مرغمين على الانهزام أخلاقيا أمام الحكومة في أول احتجاج منظم من المعارضة، ليلجؤوا إلى ذلك المعجم الرخيص الذي استعملوه ووصفوا من خلاله بنكيران ب"الخسيس" إلى آخر النعوت المخجلة، والتي لا تليق بالذين يقفون خلف تنظيم تلك المسيرة. يبدو واضحا أن هذه المعارضة التي تعمل جاهدة على لملمة أطرافها تعاني فعلا من إفلاس على كل المستويات، ويجب عليها قبل أن تفكر في الوحدة والتنظيم وجمع الصفوف أن تناضل ضد نفسها وتتخلص من أمراضها المستعصية، إذ لا يمكن أبدا مواجهة حزب إسلامي منظم وشعبوي بالشتائم وبالتخوين. كأن الذين تظاهروا يوم الأحد استيقظوا لتوهم من سبات عميق، جاؤوا من ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي ليتجمعوا في ساحة النصر، نفس الشعارات القديمة ونفس الوجوه التي تحمل آثار النوم وتعيش على ذكريات الماضي، وتردد بيقين تحسد عليه خطابا مستهلكا ارتبط بمرحلة من التاريخ ومازالت مصرة على جرجرته إلى هذه اللحظة التي نعيشها، ولهذا السبب لم يشعروا أبدا بأي حرج في الصراخ "هز كدم حط كدم الشوارع عامرا بالدم"، كما لو أن المغرب هو سوريا. لقد كان الرهان على الأموي وإحياؤه وبعث الروح فيه من جديد رهانا بالدرجة الأولى على الكم وعلى ملء الشارع الذي يمكن أن يوفره أتباعه، إلا أنه كان في نفس الوقت بمثابة لجوء إلى زعيم انتهت مدة صلاحيته ويمثل نموذجا من الصعب أن يكون رمزا أو مثالا، وهو الذي احتكر نقابته وجعلها ملكية خاصة لعقود من الزمن، وكان دائما يرفع الديمقراطية كشعار بينما هو من أشد أعدائها، ولم يساند يوما إلا الأنظمة الدكتاتورية التي تلفظ أنفساها الآن تباعا. الذي حصل أن مسيرة الأحد، وعلى عكس ما كان مرسوما لها، لم تستفد من حضور الأموي وشعبه، ولم يضف إليها ما كانت تحتاجه، بل ساهم أكثر في إفشالها وفي التغطية على إيجابياتها، وذلك بسجنها داخل نوع من النضال يفكر في الماضي وفي الثأر من الحاضر والمستقبل، بشتم الخصوم وباعتماد ديماغوجية تفوق تلك التي يبرع فيها بنكيران، دون أن نرى تغيرا في الرؤية ولا إبداعا في طرق الاحتجاج ولا شبابا وقيادات جديدة يمكنها أن تضخ روحا مختلفة، ولا أملا في تشكل معارضة تتخلص من أصنامها وفيلتها وتقدم بديلا سياسيا ومجتمعيا لهذا المد المحافظ الذي يفرحه أنه يتوفر على خصم بهذا الشكل، خصم يعاني من إنهاك شديد ويرى إلى النضال كنوع من النوستالجيا.