خسر حميد شباط، أمين عام حزب الاستقلال، رهانه على إحياء الكتلة الديمقراطية والضغط من خلالها على عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، للاستجابة لتصوره لهيكلة الحكومة وإعادة توزيع قطاعاتها بين الأحزاب المشكلة لها. فكرة حكومة الوحدة الوطنية التي يشارك فيها الاتحاد الاشتراكي كما روج لها شباط أصبحت بعيدة المنال بعدما انتخب المؤتمر 9 للحزب إدريس لشكر. ذلك أن الأخير حسم أموره منذ مدة بالرهان على التحالف مع حزبي الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار وأحزاب اليسار التي كانت تشكل ما عرف ب"جي 8"، على أساس بناء "قطب حداثي" يواجه قطب المحافظين.
بالمقابل يراهن شباط على البقاء في حكومة بنكيران لكن بصيغة جديدة تحفظ مصالح الحزب كما يراها أصدقاء شباط. أي إعادة توزيع حقائب الحكومة بما يمكن الاستقلاليين من قطاعات لها مردودية انتخابية مثل الصحة أو التجهيز أو الميزانية (وليس مجرد وزارة المالية دون قطاع الميزانية).
تصويت الاستقلاليين لصالح قانون المالية في مجلس النواب يرجح كفة فرضية أن لا نية للحزب في إسقاط الحكومة أو الانسحاب منها، بل فقط الضغط على قيادتها ممثلة في حزب العدالة والتنمية، استحضارا للحسابات الانتخابية المقبلة. فحزب الاستقلال يريد استعادة موقعه في قيادة الحكومة بعد انتخابات 2016، بعدما حقق نتيجة باهرة بحصوله على المرتبة الثانية في 2011 رغم السمعة السيئة لحكومة عباس الفاسي ومواجهتها لاحتجاجات حركة 20 فبراير.
أحمد الزايدي، ومن ورائه محمد اليازغي، كان المرشح الأقرب للاستجابة لمخططات حزب الاستقلال. فاليازغي ما يزال يعتبر أن الكتلة الديمقراطية يمكن إحياؤها، وأنها قطب قائم بذاته في مقابل قطب "اللبيراليين الحداثيين" كما يسميهم وقطب العدالة والتنمية. أما إدريس لشكر فيرى منذ استوزاره سنة 2010 وتراجعه عن التحالفات التي أقامها مع الإسلاميين في انتخابات 2009، أن قطب "اللبيراليين الحداثيين" هو تحديدا موقع حزبه في المستقبل.
في حين بقي موقف فتح الله ولعلو رخوا يتراوح بين الانفتاح على بعض اليساريين المنسحبين من الحزب، دون استبعاد إمكانية إحياء الكتلة مع حزب الاستقلال.
أما الحبيب المالكي فلم يراهن سوى على ضمان موقعه الشخصي أيا كان الخط السياسي الذي يمكن أن يسير فيه الحزب، مكتفيا بالإعلان عن نيته معارضة الإسلاميين في حال انتخب كاتبا أول. الرهان الشخصي الضيق برهن عليه المالكي حين سارع لاحتضان لشكر والتفاوض معه مباشرة بعد إعلان تقدمه في الدور الأول.
غير أن كل هذه الحسابات تظل معلقة إلى حين استكمال المؤتمر التاسع للحزب الذي لم يحقق سوى جزء يسير من التزاماته أي انتخاب الكاتب الأول. محمد الطائع، الصحافي بجريدة "الأخبار"، نبه لهذا "المأزق" القانوني والسياسي الذي يوجد فيه الحزب حاليا في تغطيته لنتائج المؤتمر. "تأجيل انتخاب اللجنة الإدارية يعني عمليا أن المؤتمر الوطني التاسع لم ينته بعد (...) رئاسة المؤتمر وقيادات الحزب دفعت في اتجاه تأجيل انتخاب اللجنة الإدارية بعد الإعلان عن اسم الكاتب الأول الجديد، إلى جولة ثانية حتى يتم ترتيب كافة النقط الخلافية سياسيا وتنظيميا، غير أن نشوة إدريس لشكر بفوزه دفعته إلى التمسك بإجرا انتخابات اللجنة الإدارية في حينه ودون تأخير، وهو ما لم يتحقق." يقول الطائع في عدد جريدة "الأخبار" ليوم غد الثلاثاء.
هذا التأجيل، يضيف المقال، "يغرق الحزب في أزمة كبرى خصوصا إذا علمنا أن المؤتمرين صوتوا في الجلسة الأولى من المؤتمر على قرار فريد من نوعه تقدمت به اللجنة التحضيرية للمؤتمر يقضي بالإبقاء على تركيبة وصلاحيات المكتب السياسي القائم بكل أعضائه، إلى حين انتخاب مكتب سياسي جديد، ما يعني أن فتح الله ولعلو المنهزم في الدور الأول ما يزال نائبا للكاتب الأول وأن الراضي ما يزال قائد ومسيرا فعليا للحزب، بصفته رئيسا للمؤتمر الذي لم ينته بعد وكاتبا أول للحزب. هكذا يصبح الاتحاد الاشتراكي بلا أجهزة وبرأسين الراضي ولشكر."