في لعبة الشطرنج، كلما فشلت محاولات حماية القلعة والجنود يتمكن الخصم من المرور بسهولة إلى الملك وهزم غريمه بإعلان العبارة الشهيرة Echec et Mat هذه القاعدة يراد لها أن تنسحب على الحقل السياسي المغربي. إذ منذ تنصيب الحكومة الملتحية والحزب الحاكم يركز على ضرب المرتكزات المحيطة بالقصر من ولاة وعمال وجيش ومستشاري الملك والمؤسسات الاستراتيجية (الفوسفاط، الماء والضو، لارام إلخ...) حتى يتسنى - ربما - لهذا الحزب إضعاف المؤسسة الملكية والاستفراد بالقرار لتسريع «أخونة الدولة والمجتمع» وفق المنظور الوهابي الطاعن في التخلف واحتقار الكائن الأدمي.
الدليل على ذلك أنه رغم تفكيك الفصل 19 في دستور 1996 إلى فصلين: 41 و42 من دستور 2011، فإن ذلك لم يشفع في تهدئة الحقل الديني. بل على العكس ما فتئ هذا الأخير يغلي بمخاطر المس بمقومات التدين المغربي لفائدة تدين مشرقي هجين ودخيل. بل وصل الأمر إلى حد محاولة خلخلة القناعة المتمثلة في أن إمارة المؤمنين بالمغرب ظلت دوما فوق كل الشرعيات الأخرى (دستورية وسياسية) ويراد لها اليوم، من طرف سفراء الوهابية ببلادنا، أن تكون هي محور النقد والتشكيك بل والتجريح.
وبما أن اللعبة واضحة وساقطة والأدوار موزعة بين هؤلاء «السفراء»، فإن النقد والتشكيك والتجريح لم يقتصر فقط على الذروع المؤسساتية الاقتصادية منها والأمنية المحيطة بالقصر، بل صاحبته حملة ممنهجة لتقويض المقومات الدينية للمغرب المعروفة منذ قرون بمقومات دينية مستوردة ومعطرة بالبترودولار.
لنتأمل هذه العناوين ولنتوقف عند هذه المحطات الملتهبة للتشويش على الحقل الديني:
1-محاولة تمرير دفاتر تحملات للسيطرة على الشأن الاعلامي التلفزي لتمكين خطباء الوهابية من التسلل لعقول المغاربة عبر برامج الوعظ والارشاد المخدوم.
2- تحقير علماء المغرب والطعن في كفاءتهم مقابل أسطرة (من الأسطورة) وتمجيد علماء الشرق المعروفين بالسفسطة والترثرة أكثر من رجاحة العقل والعلم. لدرجة أن علماء المغرب ظلوا لقرون ينشغلون بتنقيح وتنقية تفاهات ما يصدر عن علماء الشرق.
3- رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران يقسم بأغلظ الإيمان بأنه هو من أصر على تعيين أحمد التوفيق وزيرا للأوقاف واقترحه على الملك محمد السادس بينما الرئيس الروحي لبنكيران (الريسوني) يقول بأن وزارة الأوقاف لا علاقة لها بالحكومة وبأنها تسير كإقطاعية، دون أن يرد بنكيران أو يحتج أو يستقيل إذا كان كلام رئيسه الروحي صحيحا.
4- اتهام موظفي الدولة المدنيين بالطغيان والعجرفة بغية زرع الفتنة وتجريد مرافق الدولة من هيبتها القانونية والأخلاقية.
5- التصريح بأن المذهب المالكي يذبح من الوريد إلى الوريد بالمغرب للتبشير بمذهب حركي حزبي واحد
6- الطعن في مصداقية جامعة القرويين التي تخرج منها العديد من الباحثين المرموقين لا لشيء إلا لأنها ظلت منارة منفلتة من التدين المشرقي.
7- الحرص على ترويج إشاعة أن علماء المغرب مازالوا محتجزين تمهيدا لجعل تعيينهم يتم من طرف الحزب الحاكم على غرار ما فعل «أصحابهم» في مصر وليبيا وتونس واليمن حتى يكتمل «الطوق الطالباني» من صنعاء إلى الرباط!
8 - القول بأن الشأن الديني بالمغرب يسير بطريقة متخلفة واستبدادية وبأن التعيين في المجلس العلمي لا يتم إلا بالمرور عبر «الديستي» و«لادجيد»، وكأن الشأن الديني في السعودية، المراد استنساخ تجربتها ببلادنا، يسير بطريقة «كينيدية» (نسبة إلى الرئيس كينيدي).
إن السيل بلغ الزبى يا سادة، فالمغرب ليس رقعة شطرنج!