قبل أشهر قدر الله لي السفر إلى اسبانيا لزيارة أخ لي هناك ، وفي تلك الزيارة نظم لي أخي لقاء مع أحد المبشرين المسيحيين ، يعمل على تنصير أبناء المسلمين ضمن فريق منظم ،و وفق خطط مدروسة و منهجية محكمة ، و باستعمال إمكانيات جد هائلة ، و وسائل متطورة . كان الهدف من تنظيم هذا اللقاء هو مناظرة بيني و بين هذا المنصر حول قضايا الإسلام و المسيحية و التعايش بين المسلمين و المسيحيين في أوربا ككل ، و في اسبانيا بصفة خاصة ، و قد حضر اللقاء أحد أصدقاء أخي للقيام ببعض أعمال الترجمة المطلوبة .
المهم أنني حاولت خلال هذا اللقاء توضيح بعض مزايا الدين الإسلامي الكونية ، و التي تتعدى المسلمين لتلقي بظلالها على البشرية جمعاء ، كما حاولت تسليط الضوء على نموذج الإنسان المسلم في تعاليم القرآن و السنة ، من حيث الأخلاق و السلوك و المعاملة مع المسلمين و غيرهم ، لكن جليسي المسيحي اعترض على ما أقول بكونه مجرد نظريات مستوحاة من ماضي المسلمين و لا علاقة له بواقع المسلمين اليوم . إذ أن الصورة السائدة في أوربا اليوم عن المهاجرين العرب ، و خاصة أولئك المنحذرون من منطقة المغرب العربي أو ( مروكينو ) كما يعرفهم الإسبان صورة سوداوية مرتبطة بالخصوص بمافيا المخدرات، بل وتتجاوزها الى العديد من الانحرافات الأخرى، كالسرقة المنظمة والخطف والدعارة.
وأضاف معلقا باشمئزاز: إذا كنت في الطريق أو في القطار أو في المتجرأو في المقهى وقام مجهول بخطف حقيبتك فاعلم أنه مرّوكينو. بل بين لي أن المروكينو أصبحوا متخصصين في أنواع معينة من الإجرام ، فالمغاربة تخصصوا في تجارة المخدرات ، بينما تخصص الجزائريون في السرقة و النهب و غزو المحلات التجارية ، بينما تخصص أشقاؤهم التونسيون في سوق الدعارة و الفساد و تجارة اللحوم البشرية .
فمن المسؤول عن هذه الصورة المتردية التي كونها الغرب عن المهاجرين المغاربيين ..؟
أحد المهاجرين المغاربة في مدينة مورسيا الإسبانية بين لي وجهة نظره في المسألة بقوله : إن المهاجر المقهور يعيش بين نارين : ناروطن باعه برخص التراب ، و مع ذلك لازال مرتبط به دينيا ووطنيا ، يعيش بجسد هنا و عقل هناك . و نار وطن جديد لم يوفر له الكرامة الإنسانية المهدورة كما حلم بها قبل الهجرة .
ومن جهة أخرى يعيش بين نار مطرقة أسرة علقت على هجرته آمالا كثيرة ، فهي تنتظر منه الشئ الكثير ، و لا تعرف عن ظروفه هناك إلا الشئ القليل ، و بين سندان وضع اقتصادي و اجتماعي لا يسمح له بتلبية حاجياته الضرورية من سكن و مأكل و مشرب و تنقل ، ناهيك عن توفير حاجات أسرته في الوطن الأم ، فيكون مآل الكثير من الشباب المهاجر السقوط في هاوية الجريمة و الانحراف .
إننا اليوم بحاجة إلى استراتيجية واضحة المعالم للتعامل مع أكثر من أربعة ملايين مهاجر مغربي ، لا يقدمون الصورة الجيدة المطلوبة ، لا عن دينهم الإسلام ، و لا عن وطنهم المغرب .
بحاجة إلى ثقافة و سياسة حكومية تعتبر المهاجر مرآة توضح تاريخ المغرب و حضارته و هويته و أخلاقه و دينه ، لا مجرد وسيله لجلب العملة الصعبة ، مما يستلزم النهوض بأوضاعه و العناية باهتماماته .