-خلافا لما ذهب اليه بعض الحقوقيين الذين أحترم رأيهم واجتهاداتهم في الموضوع، فمشروع القانون 12-01 يتميز بكونه قانونا جامعا مانعا يهم العسكريين في كل أمورهم المهنية منذ انخراطهم في المؤسسة العسكرية الى حين إحالتهم على المعاش إنه قانون يتطابق مع مقتضيات الدستور نصا و روحا وكذالك مع القانون الدولي الانساني . فلا ينبغي تسييسه و لا شيطنته. فالمشروع لم يأت لشرعنة الجريمة أو تقديسها فلا يجوز تعويمه في مفاهيم عامة تمس الحصانة و إغراقه في التفاصيل الشكلية و السياسية و الايديولوجية. فالعقل هو صانع القوانين و ليس العكس، فالمشروع لم يأت لشرعنة الجريمة أو تقنينها بل جاء لحماية العسكريين و المدنيين معا من المتابعة و الملاحقة أثناء أداءهم لماهمهم العسكرية ،مهام ترتكز على الطاعة و التنفيذ بدون مناقشة أو تفكير. فقواعد الإشتباك ينظمها قانون العمليات في الحروب و النزاعات و الأزمات و تخضع لأوامر محددة و دقيقة في الزمان و المكان، احتراما للقانون الداخلي بجميع فروعه(القانون الجنائي...)إلى جانب القانون الدولي العام. وفي هذا الباب لا ينبغي مقاربة مشروع القانون 12-01 مقاربة حقوقية ضيقة و لا وضعه في خانة مهام القوات العمومية الاخرى.(الجيش لا يقوم بمهام الشرطة الا في بعض الحالات ينص عليها القانون) ،فلكل مؤسسة طبيعتها و خصائصها و قوانينها و أهدافها .فلا يمكن مقارنة الامن الوطني الذي ينشط تحت الرقابة القضائية، و الجيش الذي يعمل في اطار قانون عسكري خاص .فالمشروع المطروح امام نواب الشعب كانت قواعده و إجرائته منتشرة و موزعة في عدة قوانين، فاصبح مجموعا في قانون واحد12-01 فهو يشبه القانون الفرنسي و القانون العسكري السويسري...الخ . فالطاعة و الإنضباط هما معياران أساسيان للعقيدة العسكرية و ركيزتان مهمتان في انسجام الجيش،لذا جاء هذا القانون لحماية أفراد القوات المسلحة الملكية سواء في الداخل أو الخارج و الزيادة في تماسكها.لقد سعى لتحديد قواعد الإشتباك و تصنيف درجات المسؤوليات و فصل بين الأخطاء المهنية والتجاوزات الغير مقصودة ،التي تخلف آثارا سلبية و أضرارا جسدية مادية أو معنوية جانبية للمدنيين الغير مسلحين الأبرياء و الجرائم التي قد يرتكبها العسكري أثناء آدائه لواجبه القتالي، التي لا علاقة لها بالأمر العسكري.فهناك أعراف و تقاليد و قوانين و أخلاق و مواثيق دولية تحرم إنتهاكات حقوق الإنسان حيا أو ميتا يعلمها العسكري جيدا . فالقانون المناقش حاليا في البرلمان المغربي لا يقدس الجريمة ولا يعطي للعسكري حصانة مفتوحة و مطلقة سواء في الظروف العادية أو أثناء العمليات . فالمواد التي اثارت لغطا فقهيا و قانونيا هي المواد 7 و8 اللتان هما مادتان واضحتان تخصان حصانة العسكري و ذويه، وهي مرتبطة بقواعد الطاعة و الإنضباط و مسؤولية منفذ االلأوامر العسكرية و حدود الحصانة التي يتمتع بها .فالجندي او الضابط قد يلاحق إذا رفض تطبيق أوامر رؤسائه التي خططت إستراتيجيتها وأهدافها السلطة السياسية في البلاد،كما أنه مسؤول عسكريا و جنائيا عن كل ضرر أو خطإ خارج عن أوامر رؤسائه.فهنالك سوابق عديدة في القضاء العسكري المقارن التي تأكد التمييز بين الضرر الناتج عن الخطأ المهني، و الضرر الناتج عن تصرفات فردية لا علاقة لها بالقانون العسكري( محاكمة العسكريين الأمريكيين في العراق و العسكريين الهولنديين في البوسنة و الضباط الألمان في أفغانستان...الخ فالجرائم التي قد يرتكبها العسكري خارج هذ ا النطاق تجرم من طرف العدل العسكري فيجميع الجيوش، فقد ينتج عن تدخلاته الميدانية اخطاءا اثناء تطبيقه للأمر العسكري لا يساءل عنها قانونا .و لقد رأينا هذا في القضاء العسكري الامريكي و الانجليزي في العراق و افغانستان و الصومال و الكوت ديڤوار...الخ، فالعسكري المغربي يخضع لأوامر السلطة السياسية التي هي الملك القائد الاعلى للقوات المسلحة الملكية و رئيس أركان الحرب العامة و رئيس الدولة،الضامن للدستور ، و كما قال المرشال سانت أرنو وزير الحربية الفرنسية 1882 " إن المسؤولية هي التي تصنع قوة السلطة العسكرية ،مسؤولية لا تتوقف الا عند صاحب الأمر .فالمجتمع العسكري هو مجتمع طيع ومنضبط وقانوني يعمل وفق قواعد ونواميس ثابثة فقها و قضاء: المغرب ليس بجمهورية موزية. اما مهام المنوطة بالجيش الملكي المغربي فهي كثيرة و متنوعة حددها مشروع القانون 12-01من خلال إجراءات قانونية و مساطر تمنح للعسكري المغربي الكثير من الحقوق و تضع على عاتقه مجموعة من الواجبات .فمسؤولية أفراد الجيش واضحة جداً وتثطبيقاتها ضيقة للغاية، فالقانون العسكري يقنن إختصاصات الجيش الملكي المغربي اساسا في الدفاع عن الوطن و شعبه و مؤسساته الدستورية . فالدستور و القوانين الداخلية ذات الصلة ،تشرح ذلك بتفصيل هذه الاشياءسواء كان الأمر متعلقا بالعمليات داخل المملكة او خارجها ،فالجيش الملكي يدافع على المصالح العليا و الحيوية للمغرب كما ينخرط في ترقية الأمن و السلام الدوليين . فالاعمال المكولة بالجيش نابعة منطقيا و قانونيا من عقيدة الأمن القومي للمغرب . فالجيش الملكي له أهدافه و استراتيجيتها تترجم فلسفة أمن البلد في مفهومها الواسع وفي أبعادها النظرية و الإستراتيجية و الفكرية، فكل القوانين العسكرية تخضع لمقتضايات الدستور و القانون الجنائي و القانون الاداري ... المنظم للحياة العسكرية، بالاضافة إلى القانون الدولي الانساني (سمو القاعدة القانونيةالدولية على التشريعات الداخلية).فالمغرب أول دولة عربية و إفريقية أدخلت تدريس مادتي حقوق الانسان والقانون الدولي الإنساني كمواد أساسية في الأكادميات العسكرية .و في هذا السياق ،نرى أن العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش المغربي داخل الوطن او خارجه مبنية على احترام حقوق الانسان و معاهدات جنيف الاولى و الثانية. فالقانون العسكري المغربي يغطي الامور الآتية:1 القانون التنظيمي للجيش :القيادة و السيطرة وانتشار الألوية و الوحدات و تخصص المعايير البنيوية و المعنوية للمنخرط في هذه المؤسسة .2القانون المنظم لسلوك أفراد القواة المسلحة الملكية3 قانون التخطيط العملياتي لمهام عناصر الجيش الملكي 4 قانون إداري عسكري خاص 5القانون الجنائي العسكري6القانون الدولي الذي يكمل قانون العدل العسكري الذي يخضع له العسكرييون المغاربة في إطار عمليات حفظ السلام في الداخل و الخارج 7الأوامر العسكرية الصادرة عن رئيس الدولة ( الملك). اما أسباب تنزيل مشروع القانون 12-01 الذي يتناول الضمانات الممنوحة للعسكريين المغاربة هي: اولا هناك تحديات و إكراهات داخلية و اخرى خارجية ، الأسباب الداخلية هي أن المغرب يعيش حالة لا حرب و لا سلم مع الجزائر لأن حدودنا المشتركة لم ترسم بعد و لم يصادق عليها البرلمان:سوء الفهم الكبير حول مفهوم إشكالية الحدود بين الدولتين المتنافرتين .أمر آخر هو أننا نواجه تنظيم إنفصالي يلوح بالحرب كل مرة ظهرت عنده بوادر انشقاق في صفوف المحتجزين الصحراويين (في تيندوف) ، الذين يعيشون تفرير مصير مجهول.المشكل الثالث يكمن في وجود مدن و جزر مستعمرة في شمال المغرب لم نسترجعها من اسبانيا (سبتة و مليلية) بعد،إضافة إلى ذلك إن المغرب بلد مستهدف من طرف الإرهاب الدولي الذي اصبح عابرا للقارات و الدول و أصبح له عتاد حربي متطور . الموضوع الاخر هو شبكات تهريب المخدرات الصعبة والأسلحة و البشر التياصبحت تتوفر على طائرات و مروحيات ،و مسلحة تسليحا متطورا كما تتوفر على وسائل اتصال حديثة . فالقانون المتداول حاليا في البرلمان المغربي هو تحصين أفراد القواة المسلحة من كل ملاحقة قضائيا عند قيامهم بمهامهم طبقا لفصول الدستور الجديد و بناء على ترسانة قانونية، محددة شروط و ظروف مواجهة هذه المظاهر المسلحة و المخاطر و التهديدات الجيوستراتيجية التي تسعى لزعزعة إستقرار البلاد وإضعافها في محيطها لاقليمي وفضائها الدولي . اشارة قانونية اخرى يمكن للملك الذي يمثل رمز السلطة السياسية أن يستعين بالقوات المسلحة الملكية من أجل الحفاظ على النظام العام طبقا لشروط دستورية محددة و في آجال معينة و وفق ظروف مقيدة. ومن جانب آخر فالعملية العسكرية التي قد يترتب إخلالا لقواعد الدستور والقانون الدولي الإنساني هي متعددة و عرفتها كل الحروب ، تخضع للمساءلة الجنائية امام المحكمة العسكرية التي يرأسها قاضي مدني . فالعملية القتالية مهما كانت طبيعتها تحترم القانون ، ولا وجود للجريمة المقدسة ولا افلات من العقاب بصفة قطعية ،فهي تشمل التخطيط و التحضير والإنتشار (حقل العملية) فالقانون يتماشى مع العملية العسكرية من بدايتها حتى نهايتها. فمشروع القانون العسكري المتداول في البرلمان حاليا في المغرب يضع الإطار القانوني لكل عمل عسكريي يستوجب الحصانة . فمنذ وصوله إلى العرش سنة 1999 ، قام الملك محمد السادس بأول ورش اصلاحي كبير له مس المؤسسة العسكرية :و هو يكمن في إدراج مفهوم الطاعة للملك القائد الأعلى مع قاعدة احترام القانون في نفس الوقت ،ضمن عقيدة الجيش الملكي المغربي (نظرية الحربة الذكية) و هذا مرجع أساسي لمؤسساتنا العسكرية. فعلى سبيل المثال المادة 4-122 من القانون الجنائي الفرنسي التي تنص على ما يلي :"ليس مسؤولا جنائيا كل شخص ينفد أمرا صادرا عن السلطة الشرعية إلا إذا كان هذا الامر غير قانوني بصفة واضحة" كما ان القانون العام للعسكريين الفرنسيين الصادر سنة1972و اللوائح الخاصة بالطاعة العامة الذي لحقه وخاصة المواد 5 ,6 و7 منه يوضح :"إن أي عمليات قتالية يقوم بها العسكري يجب ان تنفد طبقا للقانون و لوائح القانون الدولي المطبقة في النزاعات المسلحة"،كما ان القانون العام للعسكريين في فرنسا الصادر سنة 2005، الذي استأنست به الإدارة المكلفة بالدفاع في المغرب عند تحضيرها للقانون12-01 وهنا نلاحظ تطور القانون في اتجاه تضييق مجال المنفذ للأوامر العسكرية . فليس هنالك إفلات من العقاب و هذا ما يتطابق مع الفصل 37 من الدستور المغربي . فالثقافة العسكرية تعني احترام و طاعة العسكري لرؤسائه وهذا ما تنص عليه جميع القوانين المنظمة للجيوش في العالم ،فكل من خالف أمرا عسكريا يعرض نفسه لعقوبات جنائية و تأذيبية .فالمخالفات و الاثار الجانبية لكل عملية عسكرية ينبغي تمييزها بين المخالفات المهنية التي وقعت في كل الحروب و الجرائم التي يعاقب عليها القانون الجنائي العسكري كالقتل العمد و التعذيب و الاغتصاب و الضرب و كل انتهاك لحقوق الانسان (جرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية)، لذالك أخذ المشرع بعين الاعتبار مجموعة من العوامل النفسية و الاجتماعية و المهنية التي ينتج عنها تداخل بين المخالفة أو التجاوز أو الشطط في استعمال القوة و الذي يعد خطأ مهنيا و بين الجريمة الواضحة المعالم و الأركان . هناك مادة اخرى من القانون العسكري الفرنسي رقم 2-17 توضح : "ليس مسؤولا العسكري الذي في إطار قواعد القانون الدولي و في إطار عملية عسكرية نفذت خارج التراب الفرنسي تطبيقا لإجراءات ردعية او ناتجة عن استعمال القوة المسلحة المفرطة ، عندما يكون الامر ضروريا لإنجاز المهمة" هذا النص القانوني المقدم التصويت ،يتلائم مع الشرعية الدولية و القانون الداخلي. و في هذا الباب ،يجب الاشارة الى أن الحصانة الممنوحة للعسكريين تختلف بين وضعية الأمن و الإستقرار و السلام و وضعية النزاعات و الأزمات و الصراعات . خلاصة القول ان الملك محمد السادس قام بثورة حقيقية داخل هذه المؤسسة و بتاهيلها قانونيا و ا و تطويرها شكلا و مضمونا لكي تصبح في مستوى الجيوش الغربية( إسبانيا ،البرتغال ،فرنسا ،إيطاليا و اليونان...الخ ). فوضعية المغرب كشريك استراتيجي للحلف الاطلسي دفعت القوات المسلحة الملكية تتحول إلى جيش مهني محترف و منضبط و قوانينها العسكرية منسجمة مع قوانين الدول المتقدمة السالفة الذكر ،وهنا ننصح بمراجعة و مقارنة القانون العسكري السويسري مع مشروع القانون 12-01 .الذي هو الذراع الثاني للجيش كقوة مضافة في استراتيجيته و عقيدته ،وهذا ما يعمل الملك على ترقيته داخل المؤسسة العسكرية المغربية. نعم للنقد العلمي البناء، نعم للاجتهاد الفقهي الذي يثري قانونا العسكري خاصة مشروع 12-01 ،مرحباً بالأفكار الواردة في شأن إعادة صياغة المواد 7 و 8 من المشروع المطروح الأمر الذي يجعلها أگتر ملائمة مع المواثيق الدولية، و القانون العسكري المقارن ، و الدستور، و القانون الدولي الإنساني و الإتفاقيات الموقعة ذات الصلة.فالمغرب عضو نشيط في قوات حفظ السلام الأممية منذ إستقلاله ، من الكونغو إلى سوريا مرورا بكوسوڤو و الصومال و ليبيا وساحل العاج. فالإجماع ضروري في هذا الموضوع و تعتبر مساهمة السلطة التشريعية و الاسرة الحقوقية ، في ترشيد و عقلنة و تحصين المؤسسة العسكرية ضرورية و أن كل المقترحات مرحبة بها. فلا فلسفة و لا تسييس مع الأمور الحساسة و الدقيقة التي تهم المصالح العليا للبلاد و أمنها القومي.