حقيقة لا مفر من طرح السؤال خصوصا وقد رأينا كيف أصبحت بعض سلوكيات "اللعب الباسل"تطغى على فكر الحركة رغم عمرها القصير, وبدأت هذه المظهريات تحتل صدارة الأولويات في الوقفات والمسيرات مايدعونا فعلا إلى وقفة تصحيح وتأمل فيما يقع لكي نحدد مجددا مايريده الشعب من مظاهرات "الشعب يريد" مثلما يسميها الشارع المغربي ضاحكا. أولا اتفقت مختلف الأطياف السياسية وغير السياسية أيضا التي انخرطت في الحركة منذ يومها الأول على أن الشعار الأكبر ل20 فبراير هو المغرب. لم يخرج الناس من أجل العدل والإحسان أو من أجل النهج الديمقراطي أو من أجل الاشتراكي الموحد أو من أجل الطليعة أو من أجل الاتحاد الاشتراكي. خرج المغاربة مع حركة فبراير لأنها رفع شعار المغرب, أما هذه الأحزاب والجماعات فموجودة قبل العشرين بكثير وهي لم تغر يوما الشعب المغربي لكي ينضم إليها أو يخرج معها أو يصرخ ضمن صفوفها ظلمه. هذه الأحزاب والجماعات كانت موجودة باستمرار, وأخرجت في السابق أنصارها والمتعاطفين معها إلى الشارع, لكنها لم تستطع أن تحقق الإجماع الشعبي الذي حققته حركة العشرين من فبراير, بكل بساطة لأن تلك الأحزاب والجماعات كانت تخرج تحت يافطتها الحزبية التي يقتتنع بها من ينتمون إليها أو يتعاطفون معها, أما يافطة اليوم فهي الحرية للوطن. وعندما نرفع شعارا بهذا الحجم يكون فعلا مخزيا أن ننزل فجأة إلى التطاحن الحزبي الصغير : من يريد أن تكون له الغلبة في المسيرة؟ ومن يريد الاستيلاء عليها؟ ومن يهمه أن يظهر من خلالها فقط للدولة قوته وأن سنوات الحصار والجبر لم تنفع في محاصرة مده الجماهيري؟ هنا تصبح للأشياء معان أخرى مخالفة تماما, قوامها مسألة من اثنتين : الأولى هي أن العدل والإحسان استطاعت في الظرف القصير الذي شرعت فيه في النزول مع 20 فبراير إلى الشارع أن تستولي على الحركة مثلما كانت تخطط لذلك من الأول عبر محاولات الاستفراد بها التي فشلت عشية الوقفات الأولى. وهنا على الشعب المغربي أن يوضح أنه لاعلاقة لهذه الجماعة بوقفاته إلا من كونها فصيلا مشاركا ضمنها (ضمنها ولا يتزعمها ولا يقودها بل ينصاع لقرارات التنسيقيات فيها بكل ديمقراطية), وأن محاولاتها الاستيلاء على الحركة قد تكلفها الإقصاء النهائي منها أو توقف الناس العاديين الذين يحلو لنا أن نسميهم الشعب, والذين يتحدث الكل باسمهم الآن, عن النزول في هذه المظاهرات لتفادي إعطاء العدل والإحسان حجما أكبر منها. أما الثانية فهي مايروج بين بعض عناصرحركة 20 فبراير من أن العدل والإحسان بالانضباط التنظيمي المعروف لدى أعضائها هي الوحيدة القادرة على إنجاح وقفات الحركة في المدن المختلفة, وإعطاء أرقام مشرفة للمشاركين في هذه المسيرات والوقفات بهدف الضغط أكثر على الدولة, على أساس أن يتم التخلص من العدليين فور نجاح الحركة في مهمتها. المشكلة بخصوص هذا الطرح هي أن العدليين أنفسهم يؤمنون به ويقولون اليوم إنهم ينزلون مع 20 فبراير على أن يتخلصوا من الحركة فور نجاحها في مهمتها لكي يعلنوا أن هبة الشعب المغربي هي في الختام هبة جماعة العدل والإحسان, علما أن ينزل إلى الوقفات والمسيرات والمظاهرات يعرف أن الأمر كاذب, وأن العدد الكبير من العدليين الذين يحضرونها ليس دليلا على أنهم أصحاب الحركة, ولكنه دليل على أنهم أناس فهموا أهمية الحركة في الوقت الذي لازالت فيه فصائل سياسية أخرى تتردد في المساندة الكاملة والذكية للفعل الذي يخوضه الشارع المغربي اليوم. وماذا بعد؟ لاشيء سوى أن على الحركة نفسها أن تفهم اليوم أنها أمام مفترق طرق صعب للغاية: أن تختار بين الشعب المغربي وتمثيليته وبين أن تتحول إلى تمثيلية العدل والإحسان وحدها. أهل الحركة وضمنهم شباب يحلم بالحرية لوطنه, ويرفض أن يغير استبدادا باستبداد أسوء منه ملزمون بأن يسمعوا هذا الكلام الغيور على الحركة ككل, وملزمون في التفكير في الرد بذكاء وداخل المسيرات والوقفات على من يريدون الاستيلاء على جهدهم النضالي الذي أبدعوه في الشارع, دون أي إقصاء للعدليين الذين يمكنهم البقاء ضمن الحركة شرط عجم تسخيرها لحربهم الخاصة ضد النظام المغربي. هذه الحرب الموجودة في المغرب اليوم هي حرب مغربية عامة ضد الاستبداد والفساد, وضد رهن الشعب مزيدا من الوقت في مأزق وورطات غير ديمقراطية لن تزيد البلد إلا غرقا. والكرة فعلا اليوم في ملعب الشارع, لكي يختار مساره ومصيره المستقبليين, وبعد ذلك لكل حادث حديث بطبيعة الحال