منظر مؤلم رأيناه يوم الخميس الفارط في الدارالبيضاء, وإن كان يحمل ظاهريا بعض الطرافة, لكنها طرافة خادعة بكل تأكيد. عنصر من عناصر القوات المساعدة, يقف في حراسة أحد الجسور الموجودة فوق الطريق السيار منذ الصباح, في انتظار مرور الموكب الملكي يومها. قرابة الخامسة بعد الزوال, وبعد مرور الموكب من طريقه, كان عنصر القوات المساعدة المذكور يتلوى ألما رغبة في قضاء حاجته الطبيعية, وكان غير قادر على القيام بهذه الضرورة الإنسانية لأنه يحرس الطريق مثلما أمره بذلك رؤساؤه منذ الصباح. طرحنا السؤال لحظتها "هل من الضروري أن يقف الحراس من الصباح حتى الخامسة بعد زوال, وأن يعانوا مثل هذه المعاناة المخجلة؟". وجدنا الجواب بسهولة كبرى "ليس من الضروري نهائيا, وحتى في حالة الضرورة القصوى, من الممكن تدبر أمر مراحيض متنقلة تطوف على رجال الأمن والقوات المساعدة والدركيين المكلفين بحراسة مسار الموكب الملكي قبل مروره". الأمر ليس تافها نهائيا, بل هو يندرج في إطار احترام آدمية هؤلاء الناس, خصوصا وأن عددا كبيرا من المارة الذين كانوا يرقبون مشهد عنصر القوات المساعدة الذي كان يتلوى ألما رغبة في التبول, والذي كان يمسك بجهازه التناسلي بيديه بعد أن وصل إلى الحد الأقصى من التحمل, كانوا يبتسمون, بل تبادل بعضهم تعليقات ساخرة حول الموضوع, واعتبروه علامة بقاء بعض الأجهزة بعقلها وذهنها في قرون أخرى لاعلاقة لها بقرن الناس هذا ولا بالعصر الذي نحيا فيه.
لا أعرف ماهو نوع التوجيهات التي تصدر عن المسؤولين في مثل هاته الحالات, لكن الأكيد من مشهد التخشب الذي كان عليه أغلب الحرس يومها أن الأوامر تصدر إليهم بلهجة حازمة جدا "ألا تتحركوا", وحقيقة أسأل نفسي باستمرار _ مع اعترافي بجهلي التام في الميدان الأمني ومجال تسيير المواكب الرسمية _ إن كان ضروريا أن يتم وضع كل ذلك العدد العديد من الحراس وامرهم بعدم التحرك على امتداد كيلومترات عديدة بشكل يدفع فعلا إلى الشفقة عليهم أولا, وإلى التساؤل عن آدمية المسؤولين عنهم الذين يكلفونهم بهاته المهام غير السهلة نهائيا.
في تلك الأثناء بالتحديد كان أحد المسؤولين السامين في الدرك عابرا في سيارة يسوقها شخص آخر. حينها وجد عنصر القوات المساعدة المسكين مايكفي من الشجاعة ورباطة الجأش لكي يعدل من وضع رجليه المرتبكتين بفعل ضغط الحاجة الطبيعية, لكي يقوم بتحية المسؤول العابر أمامه في السيارة, والذي لم ينتبه لتلك التحية بالتأكيد, ولم ولن ينتبه أساسا للوضعية المحرجة التي كان عليها العنصر المسكين في تلك الأثناء.
لسبب لا أعلمه تعاطفت مع ذلك الشاب المرتدي لذلك الزي "الخزي" العتيق, ورأيت فيه قريبا أو أخا أو شخصا كان من الممكن أن أعرفهو وغضبت للحال التي كان عليها, وتساءلت _ لأنني لا أملك في حالة مثل الحالة _ إلا التساؤل إن كان الأمر ضروريا بالفعل إلى هذا الحد.
ملك البلاد يعطي يوميا الدلائل تلو الدلائل على أنه يريد إنسانية أكثر لسكان بلده, وبعض المسؤولين _ لاسامحهم الله _ وفي إطار الزيادة في العلم التي يتحدث عنها المغاربة في دارجهم, يصرون على تلقيننا يوميا دروسا في إذلال الناس والتنكيل بآدميتهم, وتعريضهم لشتى أنواع وصروف التفنن في تذكيرنا بالعهود البائدة. ولعله قد حان الوقت اليوم لكي يفهم هؤلاء أنهم يسيرون ضد البلاد ككل, ضد ملكها, ضد شعبها, ضد رغبتها في التحرر من الغباء العتيق الذي سادها في كثير من الأوقات, وضد كل ما تعارفت عليه البشرية اليوم من احترام للناس ولحقوقهم ولكرامتهم ولكل الأشياء
في المساء من ذلك الخميس, لم أستطع أن أزيل من ذهني صورة ذلك العنصر الأمني. فكرت طويلا فيما قد يكون وجده ختاما كحل لأزمته الطبيعية تلك. تراه "أطلقها" في سرواله, وارتاح ختاما؟ تراه صبر صبر العارفين بالله إلى أن وجد مرحاضا قريبا منه بعد انتهاء دوامه؟ أم تراه بكى في لحظة من اللحظات بكاء الرجال الحار لأنه لايستطيع تلبية حاجة طبيعية دفعت العديدين ذلك المساء إلى الضحك منه والسخرية رغم أن حالته لا تدعو إلا إلى العكس؟
في كل الحالات لايمكن لمغربنا الذي نحلم به أن يكون مغربا يتسع لمثل هذه المظاهر المهينة للآدمية, ولا يمكن إلا أن يطالب كل المؤمنين بالمغرب العظيم بالنقص من هاته المظاهر إن لم يكن ممكنا القطع معها نهائيا, ولي اليقين مثلما هو لنا جميعا أن ملك البلاد لا يقبل على أبناء شعبه مثل هاته الأشياء المؤسفة, وأن آخرين يستفيدون من كل هاته المظاهر ومن إدامتها هم الذين يفعلون المستحيل كي تستمر دلالة شيء يرفض التغيير في بلد أصبح ملكه وشعبه مقتنعين منذ زمن بعيد أن أوان التخلي عن كثير من الشوائب العتيقة قد حان, ومعها حان أوان التخلي عن كثير من المسؤولين المنافقين الذين يصرون على إدامتها فقذ لكي يعطوا لوجودهم هم بعض المعنى وبعض التبرير.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق بعض الكلام الذي يروج في التلفزيون المغربي عن عدم وجود موارد بشرية قادرة على رفع كل رهانات دفاتر التحملات هو كلام باطل يراد به الباطل. التلفزيون المغربي الذي أمضى وقته كله في محاربة الكفاءات داخله ودفعها إلى الخارج, والذي لم يستعن يوما بكفاءات الصحافة المكتوبة الكثيرة والموجودة لخوفه من حريتها والذي جمد حتى القدرات النادرة الموجودة بين صفوفه لا حق له اليوم في الحديث عن هذا الأمر.
هناك بالتأكيد مئات الحلول للمسألة, وبعض الرديئين الذين يتحججون بالمستوى الضعيف لما صنعوه بالتلفزيون عليهم أن يكفوا عن ترديد رداءاتهم ونشرها بين الناس. هذا زمن آخر على الأقل في مجال التلفزيون علينا أن نكون قادرين عليه أو علينا أن نصمت بشكل نهائي فقط ينشر عمود في الواجهة للمختار لغزيوي في كود باتفاق مع الكاتب