يشكل التوقيع على ميثاق الأغلبية الحكومية مبادرة سياسية نوعية في مسار عقلنة الأداء الحكومي، وإضفاء طابع الوضوح والانسجام على السياسات العمومية، وتكريس الطابع التعاقدي للعلاقات بين المكونات الحزبية للسلطة التنفيذية. ويحسب للتشكيل الحكومي الجديد، الذي يضم أحزاب العدالة والتنمية، والاستقلال، والحركة الشعبية، والتقدم والاشتراكية، انخراطه في تقليد سياسي يستلهم قيم الحداثة والمأسسة السياسية، من خلال وثيقة تعاقدية تشكل مرجعا للعمل المشترك وأساسا للالتزام أمام المواطنين، فضلا عن دورها في القطع مع مناورات سياسوية مسيئة وخطاب مزدوج يلعب بين حبلي التحالف الحكومي ومساحات التفافية أخرى للحركة السياسية. تعبئة أكبر للقدرات والتفاف أوسع حول أولويات العمل الجماعي بروح الفريق، مقروئية أوضح للمشهد السياسي بين كتلة سياسية مدبرة وأخرى في موقع المعارضة، وخصوصا تضامن في المسؤولية يجعل مكونات الحكومة شريكة في رهانات الربح والخسارة المرتبطة بمهامها في تدبير الشأن العام. تلك هي المزايا الرئيسة لهذه السنة الحميدة في انتظار فتح أوراش الحكومة المقبلة تحت مجهر الشعب المغربي. وقد حددت الأغلبية الحكومية أربعة مرتكزات للميثاق, تشمل التشارك في العمل، والفعالية في الإنجاز، والشفافية في التدبير، والتضامن في المسؤولية، مستندة الى العناوين الكبرى التي حددها تصدير الدستور، والمتعلقة أساسا بالاختيار الديموقراطي والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، والهوية الإسلامية للدولة ووحدتها الترابية وتعدديتها الثقافية. وفي انتظار صدور تصريح حكومي مفصل بأولويات وسياسات عمومية واضحة، نص الميثاق على عشرة أهداف أساسية متعددة القطاعات. يتعلق الأمر أساسا بتفعيل مقتضيات الدستور في اتجاه تحقيق مزيد من الإصلاحات وبناء الدولة الديمقراطية، والإلتزام بمستوى عال من التنسيق والانسجام والتضامن في تحمل الأغلبية الحكومية كامل مسؤولياتها الدستورية والسياسية لتدبير الشأن العام. وحيث وجهت أصابع اتهام عديدة الى الأداء الأغلبي داخل المؤسسة التشريعية، فإن الميثاق ينص أيضا على "المواظبة الفعالة في عمل البرلمان والحكومة، وترسيخ حضورها الوازن كأغلبية برلمانية وسياسية تساهم في بلورة وإقرار السياسات العمومية والدفاع عنها بالجدية والمصداقية المطلوبتين، والرفع من مستوى العمل المؤسساتي والسياسي بما يخدم تقدم الممارسة الديمقراطية ونهج الحكامة الرشيدة". وعلى صعيد العلاقة مع المعارضة، أبدت الأغلبية الحكومية انفتاحها على "التعاون مع المعارضة ومحاورتها وتمكينها من الاضطلاع بدورها الدستوري والسياسي وكذا محاورة كل القوى الحية في البلاد والإنصات إليها بما يخدم الديمقراطية التشاركية". أما في ما يخص العلاقات البينية، فتعهدت الأغلبية بالعمل على تعزيز التضامن بين مكوناتها وإرساء التشاور والتعاون والتنسيق فيما بينها واحترام التزاماتها وفق آليات متوافق عليها تمكن من تنظيم وتسيير وتقييم عملها المشترك، والعمل على إرساء رؤية موحدة ومنسجمة ومندمجة للعمل الحكومي تتم صياغتها وفق مقاربة تشاركية. ومضت الأغلبية الى مأسسة هذه المرجعية السياسية من خلال إحداث رئاسة للتحالف تتكون من ثمانية أعضاء هم الأمناء العامون للأحزاب السياسية الأربعة مضافا إليهم عضو واحد من القيادة السياسية لكل حزب يختاره أمينه العام. وتنعقد اجتماعات رئاسة التحالف الحكومي بدعوة من رئيس الحكومة وتحت رئاسته لتتبع وتقييم تنفيذ برنامج الأغلبية ودراسة كل القضايا المرتبطة بتحالفها، والسهر على الانسجام والاندماج في العمل الحكومي والسياسات العمومية. ويكون الانعقاد العادي مرة كل ثلاثة أشهر أو استثنائيا بطلب من رئيس الحكومة أو أحد مكونات التحالف. أما على مستوى التحالف النيابي, فيضم، على مستوى مجلس النواب, رؤساء فرق أحزاب التحالف الحكومي، ومثاله على مستوى مجلس المستشارين. ويعتمد التحالف الحكومي على مستوى البرلمان منهجية عمل بخصوص مقترحات القوانين والتصويت والتعديلات ومناقشة مشاريع القوانين. بغض النظر عن آلياتها وتفاصيلها التقنية, يجمع المعنيون بتأهيل الحقل السياسي الوطني على أن انخراط الأغلبية في وثيقة مرجعية، بمثابة مدونة سلوك لمكونات الحكومة، يعزز مقروئية المشهد السياسي بالمغرب ويسهل دينامية الفرز بين صناع السياسة العمومية ومعارضيها لحظة يأتي يوم الحساب، فيكون أقطاب الموقع الحكومي شركاء في الجزاء أو العقاب عند الاحتكام الى رأي المواطن داخل مخدع الاقتراع.