تعذر علي رقن شيء في الأيام التي خلت، رغم أنها كانت حبلى بالأحداث. أتمنى من قرائي الأوفياء أن يعذروني فغيابي هذا جاء لأسباب تخرج عن إرادتي.
لكني رغم ذلك لم أكن بعيدا عما يدور بالساحة، بل كنت أتابع كل شيء عن كثب، كتفت اتصالاتي بأصدقاء ذوي اطلاع، حتى نلتمس قبسا ينير عتمتنا و نعلم ما يحضر لنا في الظلام.
في البدء كان التحالف من أجل الديمقراطية :
آخر الأوراق المخزنية، تمثلت في إخراج حزب الأصالة و المعاصرة في هيئته الجديدة، و الذي بدأ كحركة لكل الديمقراطيين، فانتهى به الحال كحزب يبحث عن أي غصن يتمسك به لعله ينقذه من طوفان الإنتقادات اللاذعة الموجهة له و لمؤسسه، و التي انطلقت أولى شراراتها مع مسيرات 20 فبراير، في حين كانت أغلب الأحزاب تخشى حتى من ذكر اسمه. " الأصالة و شكيكو شكيكو بسم الله الرحمن الرحيم "
التحالف بدى ضعفا، هشا يحرك خيوطه صناع البام واضعين وزير المالية صلاح الدين مزوار في الواجهة. كل شيء يوحي بأن الحكومة القادمة تشكلت حتى قبل إجراء الإنتخابات. و لكن ؟
الشعب يريد العدالة و التنمية
لا يمكن أن نخفي أن حزب العدالة و التنمية واحد من الأحزاب التي تستحق حمل هذه الصفة في المشهد السياسي المغربي، حزب واضح الخطاب، أي نعم لكنه غير واضح الإختيارات، ففي مجموعة من المحطات قام الحزب بتقديم تضحيات ضخمة للمخزن، تضحيات تركت أكثر من سؤال، أولها و ليس آخرها انتخابات 2007 و أفضعها انتخابات 2009. على أي الحزب استطاع أن يستثمر ما لاقاه من حروب و ضغوطات لكسب التعاطف، إضافة لما يملكه الحزب من قواعد و مناضلين نشيطين يجعلون من الحزب قريبا من المواطنين.
و ببزوغ فجر انتخابات 2011 بدأ سي بنكيران في عملية ابتزاز سياسي، الهدف منها هو ضمان فوز حزبه و هو اعتراف ضمني منه، أن هناك من يستطيع التحكم في نتائج الإنتخابات، و أن سلطة القرار ليست حكرا على صناديق الإقتراع.
المهم مرت الإنتخابات، و أعلن السي الطيب الشرقاوي عن نتائجها التي أعطت اكتساحا " تاريخيا " لأنصار المصباح، الذين توسم فيهم المغاربة خيرا فحازوا ثقتهم، على الأقل هذا ما تناقلته وسائل الإعلام الرسمية التي تحجبت البعض منها لتبشرنا بطلائع التغيير.
و وسط تلك العجعجة، وجب مرة أخرى الوقوف على تلك الأرقام التي يتم تداولها، لخلق أساطير جديدة نلهب بها مشاعر الحشود. فنسبة 45% لا يمكن مقارنتها بنسبة المشاركة في انتخابات 2007 إذا علمنا أنه بعد مراجعه اللوائح الإنتخابية، التي كانت تضم في 2007 15.5 مليون مواطن صار العدد في 2011 13.6 فقط، بينما انتقل عدد المصوتين فعلا من 5.8 مليون إلى 6.2 مليون مصوت.
هذا فيما يخص نسبة المشاركة، أما إن تحدثنا عن اختيارات المصوتين فتلك حكاية أخرى
هذا فيما يخص نسبة المشاركة، أما إن تحدثنا عن اختيارات المصوتين فتلك حكاية أخرى، فمن 13 مليون المسجلين في اللوائح، قاطع 54،5 % و فضل 10% الإدلاء بأصوات لاغية، و فقط 8% من المصوتين هم من أعطوا أصواتهم للعدالة و التنمية.
إسقاط الفساد و الإستبداد الأن و هنا و قبل كل شيء ما المشكل إذن, لماذا ما زلت هنا " أنوح" أو " أنبح" كما يحلو للبعض أن ينعتوا حركات أناملي, ما دام أن الأغلبية اختارت. هنا مربط الفرس, الديمقراطية ليست مجرد أرقام, الديمقراطية لا تمارس يوما كل خمس سنوات, للديمقراطية أعمدة ما زالت لم تستقم, فمن كان يضمن لي أننا لن نشهد إعادة لسيناريو 2007, من كان يستطيع أن يؤمن لي أن نتائج الإنتخابات و أطوارها لن تعرف تجاوزات – و قد شهدت بعضها رغم ذلك -, فلولا وجود ضغط مجتمعي متمثل في الحركات الإحتجاجية التي أثثت المشهد المغربي على طول سنة 2011 و على رأسها مسيرات و وقفات حركة 20 فبراير لكان نتيجة الإنتخابات مغايرة تماما, و لعل وعيد السيد رئيس الحكومة المعين إلا وعي منه, أن السبيل الوحيد لوصوله إلى ذاك المكان هو استمرار ضغط الحركة و احتلالها للشارع. أي أن هذه الإنتخابات, هي استثناء و لم تصبح القاعدة بعد, فالفساد و الإستبداد ما زالا قائمين, و تواريهما عن الأنظار تكتيك, و استراحة محارب لتدبير خطة العودة و استعادة الأنفاس.
نعم الفساد و الإستبداد لا زالا قائمين, و لا أظن أن بنكيران على الأقل, بما رأينا حتى الأن سيغير من واقع الأمر شيئا, ما دام أنه قبل أن يتحالف مع من أفسدوا هذا البلد من قبل, و خولت له نفسه أن يضع يده في أيديهم, بل الأسوء من ذلك أن يهنئ الهمة على كرسيه الجديد, هو الذي لا طالما طالب بإبعاده عن السياسة, و بكل ما يملك من لباقة و أريحية يواجهنا ليخبرنا أنه أعاد العداد للصفر, بالمناسبة عندي سؤال لرئيس الحكومة, سيدي الرئيس هل هؤلاء أيضا مجبرون أن يعيدوا العداد إلى الصفر ؟ - أقصد سجناء السلفية سيدي الرئيس -. على أي السيد بنكيران " مسكين " دعا منطلقا من المسؤولية التي يتحملها حركة 20 فبراير إلى الحوار, بينما تم تجاوز أحد فصول الدستور 28 مرة في 15 دقيقة. هناك من يدعي أن هذا القول مغالطة كبيرة و أن التعيين تم بصفة قانونية, أذكره أن المشكل في المغرب لم يكن أبدا مشكلة نصوص, فو إن كان التعيين مستوفيا للشروط القانونية, فإن توقيته يحيل على أكثر من سؤال, و حتى لا أستفيض في ذاك النقاش القانوني غير المثمر, أذكر قرائي الأعزاء أن حكومة عباس الفاسي هي حكومة تصريف أعمال, و أن صلاحيات حكومة تصريف الأعمال هذه لم تحدد بعد, فحسب الدستور يجب انتظار الدورة القادمة للبرلمان للبث في أمر القوانين التنظيمية المتعلقة بها. الأسلم إذن هو انتظار الدورة البرلمانية القادمة, لكن صناع القرار كانت لهم رسالة للجميع, مفادها أن هناك مصدرا واحدا للسلط في المغرب. سألني أحدهم لماذا نهتم بالدستور و احترامه إن كنا قاطعناه أصلا, أجبته لأنني لا أحب أن نضع قوانين لنتجاهلها في ما بعد و تبقى حبيسة دفتر, و لذلك قاطعت. فكيف أحاور من لم يستطع حتى فرض القانون الجاري به العمل, لتحقيق أشياء لا تدخل في صلاحياته. مطالب الحركة معروفة و واضحة و لا تحتاج أقل من الإرادة, أما الحوار فلا جدوى منه و لا فائدة, فالمعتقلون السياسيون في سجون المملكة لن يروا النور بالحوار, و كيلوات غلاب لن تذوب بالحوار. العمل أ سي بنكيران العمل.
ماذا الأن ؟ هل انتهى الأمر, هل حكم علينا أن نخرج من قاعة انتظار للدخول إلى أخرى, لا. الوضع في المغرب و إن كان قاتما اليوم, إلا أنه مفتوح على جميع الإحتمالات, ليس ذلك الجو الصحي حيث يسود الإختلاف و يبقى الأصلح, لكن هناك حركية, سياسية و اجتماعية على مختلف المستويات, المياه الأسنة تتحرك, هناك إرادة للتغيير, هناك تجدد للوعي الجماعي, نعم ما زلنا في البداية, لكننا بدأنا نخطو الخطوات الصحيحة, ما يلزم اليوم هو خنق المخزن أكثر و أكثر, فأوراقه بدأت تقل, و مجال مناورته يضيق, نحتاج لتكاثف الجهود, و مساندة كل مبادرات التغيير و تقويتها, من أجل خلق جبهة موحدة و قوية حتى لا تفوتنا الفرصة المتاحة لنا اليوم.
أما عن حركة 20 فبراير, فهي اليوم أكثر من ذي قبل تحتاج للمزيد من التحدي و الصبر, و الإستمرار في الضغط بقوة أكثر حتى لا تترك المجال للفساد للعودة إلى الساحة, فقد ودعنا الفساد و الإستبداد و أقسمنا على اجتثاتهما. يلزم الحركة ألا تخطئ الهدف, فعدونا هو المخزن, و ليس حزبا أو شخصا, حتى لا نقع في خطأ قاتل, فنظل عن القضية. قضيتنا الكبرى و الأساسية إسقاط الفساد و الإستبداد. لا يجب أن نسمح لأحدهم أن يستعمل شعارات الحركة ليصفي حساباته السياسية مع طرف ما, فالحركة أكبر من ذلك, الحركة تجل لأحلام أمة و تطلعاتها.