نذهب اليوم إلى الاستفتاء على الدستور...أو لا نذهب, حسب موقع وموقع كل منا مما يعرض علينا في الوثيقة الدستورية التي أنجزتها لجة الفقيه المنوني, وأعلن عنها الملك في خطابه ليوم 17 يونيو الماضي. ما الذي سينتجه لنا هذا اليوم؟ سينتج لنا طبعا نعم أو لا, وسيفرز نسبة مشاركة يتمناها المغاربة عالية ومعبرة لكي يطمئنوا على المسار الاستثنائي الذي دخلوه دون غيرهم من البلدان العربية التي اختار حكامها وشعوبها طرقا أخرى لحل الإشكالات العالقة بين الطرفين مما نستعيذ منه يوميا مئات المرات لرغبتنا في بقاء هذا البلد محصنا ضد كل أنواع التطرفات من هنا ومن هناك. لكن وبعيدا عن النتيجة ونسبة المشاركة, هناك أشياء أخرى أهم بكثير علينا أن نلتقط إشاراتها اليوم وعلينا أن نستوعب دلالاتها أساسا بعد أن يمر هذا النهار, وبعد أن ندخل مرحلة جديدة من تاريخ هذا البلد. أولى هذه الأشياء وأهمها هو السؤال : ماذا ستفعل حركة 20 فبراير بعد أن يصوت المغاربة على الدستور؟
لا أحد يريد ترك الحركة على قارعة الطريق الموصلة إلى تاريخ المغرب الجديد, ولا أحد يقول إنها لم يعد لها أي دور في المغرب مابعد الدستور, لكن هذا الدور يلزمه بعض التوضيح. ذلك أنه سيكون مثيرا للاستغراب رؤية استمرار المظاهرات _ سواء كانت سلمية أو غير سلمية _ رغم كل مايقع, وسيكون على الحركة أن تشرح للشعب المغربي أسباب هذا الاستمرار, وأن توضح موقفها من صوت الشعب المغربي الذي سيكون قد وصل كاملا يومه الجمعة.
سبق وأن طرحنا السؤال على الحركة حول موقفها إذا ماشارك المغاربة بكثافة في الاستفتاء وصوتوا بنعم. هل ستحترم إرادة الشعب المغربي الذي تقول إنها وحدها تمثله؟ أم تراها ستهرب إلى الأمام, وستحاول من خلال مكوناتها السياسية المختلفة من النهج إلى العدل أن تجد تبريرات أخرى لمشاركة الناس ولتصويتهم الإيجابي على هذا الدستور؟ مسألة أخرى هامة للغاية بعد التصويت على الدستور تتعلق بموقف الطبقة السياسية المغربية منه وكيفية تعاملها مع الشعب المغربي بعد هذا الدستور. فإذا ماكان الكل متفقا على أن الدستور أتى بكثير من المسائل الإيجابية, فإن أهم سؤال يطرح نفسه علينا هو سؤال كيفية تطبيق هذا الدستور وتفعليه حقا.
المغاربة اليوم يطرحون السؤال : شكونا هو هاد الوزير الأول اللي غادي يمتلك مايكفي من الشجاعة باش يتحول لرئيس حكومة ديال بالصح مثلما ينص على ذلك الدستور؟ عندما نقلب أعيننا هنا وهناك في طبقتنا السياسية باحثين عمن, نكاد لانجد. نسأل ذواتنا بشكل صريح عما إذا كنا نتوفر على رئيس حكومة قادر على أن يفعل بالحرف ماجاء به الدستور, وقادر أساسا على أن "يضرب على الطاولة" حين سيحس أن سلكاته قد تم المساس بها أو تبخيسها. ولن نكون مثل العدميين ونحكم بالنفي الكامل لوجود أي شخص قادر على لعب هذا الدور بين أحزابنا السياسية, لكننا سندعي أن جهدا كبيرا ينتظر هذه الأحزاب لكي تفرز نخبا جديدة من بين شبابها, وهي نخب موجودة, ولكي تستطيع إعادة الأمل للمغاربة في سياستهم وسياسييهم.
نقطة ثالثة لابد من الحديث عنها خلال يومنا التاريخي هذا هي المتعلقة بموقف الدولة من كل مايقع. رأينا على امتداد الأيام الماضية كثيرا من التدخل من أجل تشجيع التصويت وتشجيع التصويت الإيجابي بنعم أساسا, وإذا ماكنا نتفهم موقف الدولة الراغبة في إنجاح هذا الورش الدستوري, خصوصا وأن هناك في المقابل جهات عديدة تريد إفشاله إلا أننا كنا نتمنى أن تختفي من أمام ناظرينا بعض المشاهد المحسوبة على العهود القديمة وأن يحضر نقاش متحضر بين المغاربة يراعي ذكاءهم, ويترك لهم حرية الاختيار في الختام.
ولعل العذر الوحيد الذي يمكن أن نلتمسه للدولة أو لجزء منها على الأقل في قيامه بهذه التصرفات هو أنه أتى بها في ظل الدستور الحالي الذي سيصبح دستورا قديما بعد مرور هذا اليوم إذا ماسارت الأمور على المنوال المتوقع لها. أما الدستور الجديد وروحه فيرفضان رفضا تاما بعض هذه الممارسات, ويتطلب من هذه الجهات التي تشتغل بهذه الوتيرة القديمة أن تقوم ب"شوية ديال الميزاجور" لكي تفهم التغيير الذي مس المجتمع المغربي والذي يجعله اليوم مجتمعا يرفض أن يساق بالطبل والغيطة إلى مشروع سياسي هام جدا لوطنه.
أشياء كثيرة يجب أن تدخل من بوابة التاريخ اليوم, وأشياء أخرى يجب أن تخرج نهائيا من حياتنا العامة. فمغرب الجمعة فاتح يوليوز لن يشبه بكل تأكيد المغرب قبل هذا التاريخ الحاسم للغاية.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق روح الحوار التي حبل بها تلفزيوننا العمومي طيلة أيام هذا الاستفتاء لا ينبغي أن تنتهي اليوم. على هذا الجهاز بقنواته الثلاث وقد أثبت قدرته على أن يكون مجال تناظر لكل الآراء المغربية أن يواصل السير في الاتجاه ذاته, فنحن نعتبر أنه من الحرام شرعا ومنطقا وعقلا ووطنية أ يتحدث أبناء المغرب عن مشاكل المغرب في قنوات الأجانب. ارتكوا النوافذ والأبواب مشرعة للحديث الصريح الحر بين الجميع, وانفتحوا أكثر على الآخرين ممن يعتبرون أنفسهم _ حقا أو كذبا _ مقصيين. قولوا لكل الناس لانبالي مثلما يقول النشيد الإخواني الشهير. أشهروا شجاعة المغرب على رؤوس الأشهاد, فنحن نحتاج رؤيتها في هذه اللحظة بالتحديد