عرفت معنى الزلزال يوم وصلت الحسيمة يومين بعد الهزة .. نشرات الأخبار والتقارير والأفلام الوثائقية لا تترك الأثر العميق في النفس كمن عاين و شاهد عن كثب.. تسمع حتى تشبع من حكايات و مرويات و قصص الزلزال.. تقرأ ما تشاء عن رقصة وجع الأرض.. لكن ليس من رأى كمن سمع.. في إمزورن وسط ركام أنقاض منزل عثر توفيق بوعشرين على دفتر تمرين تلميذة بخط يد جميل وملاحظات المعلم .. لا أدري ماذا كان مصير البنت الطفلة..هل ماتت ..هل كتبت لها ولادة ثانية وحياة أخرى بعد الزلزال..؟ المبيت في الخيام والأرق بسبب إنتظار توقع رقصات في بطن الأرض.. كانت الهزات الإرتدادية تتكرر .. الريفيون سكان بيا دي سانخورخي الإسم الأول للحسيمة من طبيعتهم المقاومة والكبرياء والكرم و العفة والخجل وذكريات أليمة حزينة مخزنة من عام الجوع و الغازات السامة و الأزمنة السحيقة.. إنهم يشبهون كثيرا سكان الحوز و الأطلس الكبير..أليسوا كلهم أبناء الجبل .. تتذكرون يوم زار عزيز أخنوش الحسيمة بعد طحن الشهيد محسن فكري ووقف عند صياد طالب معاشو يسأله...فقال له الرجل بين الخجل ورفض الكلام.. واغايشا بو روقت.. لا وقت لي الآن.. العمل أسبق عن الكلام.. الزلزال يعلمك أننا ضعاف.. لاشيء ..كائنات صغيرة من ورق هشيش.. لا حول و لا قوة لنا فوق هذه الأرض .. واهم من يعتقد أن البشر سيد هذه الأرض قبل النمل والطير والحيوان.. كان المطار خلية نحل لا يهدأ والطائرات العسكرية تتحرك و تنزل ليل نهار .. شاحنات تصل قبل منتصف ليل بارد قادمة من فاس وجهات أخرى محملة بالأغطية وسندويشات وما يحتاج له المتضررون .. كانت الحسيمة كئيبة جريحة..لكن مقاومة. الزلزال ..حزن السكان..رعب ..فزع دهشة..خوف من مجهول ..سؤال الوجود ..الموت ..قبور تحفر على عجل و يدفن فيها الموتى بسرعة قبل إسدال الظلام..الزلزال سباق مع الزمن..مع غريزة البقاء ..مع العطش والجوع..و الفتن.. الترقب والأسى والفاجعة والحيرة...ترى الناس سكارى وما هم بسكارى.. الزلزال ليس حكاية تروى.. هو حالة وجودية ونفسية تراها في عيون الناس وصمتهم ولا تشعر بها وأنت على أريكة تأكل البطاطا المقلية أمام الشاشة.. هي تجربة تعلمنا معنى لعبة الحياة مع الموت الغدار.. تعاش وتلمس وتجرب بالحواس .. غال حبنا لك مغربنا العزيز .. غدا تشرق الشمس من جديد .. وتعود الحياة..