كل كتابة هي قطيعة، وأن تكون بعيدا عن أرضك في اغتراب اختياري أو مفروض، فإن الكتابة هي الحل الأكثر طبيعية لإثبات زيف الواقع. يتبع الكاتب أهواءه، والسيئة منها هي الأكثر أهمية، ثم يضع مسافة بينه وبين البلاد، ينظر إليها كي يبتعد عنها بشكل أفضل ويتحرر بالكلمات. الكاتب هو ذلك الذي يغوص في الجذور وينفصل عنها في نفس الوقت، ليس من أجل التخلي عنها ونسيانها وإنما كي لا يجد نفسه في موقف غير متوازن مع ذاته الأكثر عمقا، وذلك لأن الجذور تتبعنا أين توجهنا، في حميميتنا الخاصة وفي تنقلاتنا البعيدة.
تضايقني قصة الجذور هذه، إذ من المستحيل بالنسبة لي أن أصبح كاتبا يابانيا، ومع ذلك كنت أتمنى أن أكون من ذلك العالم الذي دائما ما استهواني، ومنذ أن بدأت مشاهدة أفلام "أوزو"، التي وجدت فيها نفسي، وعلى أقل تقدير، وجدت فيها انشغالات المجتمع المغربي التقليدي، شعرت أني ياباني إلى حد ما، وأنا أتفق في ذلك مع هاروكي موراكامي، عندما قال"إنه ياباني من يحب السوشي"، وهذا كل شيء. أنا كاتب مغربي منفي في لغة أحبها والتي ليست لغة أمي ولا لغة الشعب الذي أنتمي إليه، إذن أنا كاتب مهاجر، ولو أني أقضي أكثر الوقت في المغرب منه في فرنسا. سيقال"لكنها الغربة الداخلية"، لا، أنا لا أشعر أني مغترب في أي مكان. طالما معي حقائبي المليئة بالكلمات فكل الأمكنة هي مكاني(....). الكاتب محكوم عليه بالهجرة سواء كان ذلك في اللغة أو في الخيال، فأن تكتب هو أن تعبر من فضاء إلى آخر، ومن زمنية واعية إلى زمن يمتزج فيه كل شيء ويحتشد ثم يقوم بخلق الحيرة في نفوسنا.
إن رواية قصة هي طريقة للنجاة بجلدنا، مثل شهرزاد التي ولكي لا يقطع رأسها في الصباح الباكر، تخترع وتعيد اختراع حكايات من أجل ربح الوقت وإنقاذ نفسها. إنها تقاوم الهجرة إلى العدم والموت، وباستدعائها لملايين الكلمات عابرة بين القارات نجحت في تجنب الاغتراب النهائي، حيث لا يقع أي شيء بالمطلق، حيث الصمت الشامل، وهو ما سماه فولكنر"النوم الأكبر"(....) ليس هناك "أدب الهجرة". هناك أدب فحسب. وليس لأن كلير إتشريللي كتبت "إليز" أو"الحياة الحقيقية" أو ميشيل تورنيي"قطرة الذهب" يدفعنا إلى وضع علامة مميزة على هذه الروايات.
إنه الأدب الذي يلتقط موضوعا وفكرة تدور حول الوضع الإنساني، كما فعل الكتاب دائما(...)الكلمات تهاجر وتتلاقى وتتخاصم، ثم يهدأ روعها وتشكل كلا يولد لكي يجردنا من الأصل، لكي يهزنا، لكي يعجبنا، أو لكي يحملنا ببساطة نحو آفاق أخرى.