شكلت مشاركة الفنان التشكيلي المغربي عبد المجيد عطية ضمن فعاليات المهرجان الأول للفنون التشكيلية، التي نظمتها مؤخرا جمعية ألوان للفنون التشكيلية بمدينة وادي زم، تحت شعار"الفن التشكيلي رافعة للجهوية الموسعة"، إضافة نوعية لترسيخ قيم إبداع تشكيلي متجدد ينهل من النسق التراثي المغربي، والروح التاريخية والحضارية والثقافية والمجتمعية التي تميز المنطقة بالخصوص. لوحات الفنان التشكيلي عطية في هذا السياق، احتفاء بالعادات والتقاليد، والموروث الشعبي العريق، وتكريم للسحر الفلكلوري الذي يسم المنطقة وخاصة على مستوى أنماط الحياة اليومية، وأشكال الاحتفال والحياة، والمشاعر ونبض الوجدان. في هذا السياق تشكل الفروسية التقليدية في ارتباطها بحياة البدو والقبائل في المنطقة عنصرا راقيا للانتشاء الروحي، وفرصة مبهرة للمتعة البصرية التي برع الفنان في رسمها وترجمة معانيها الرقيقة في كل حركاتها وسكناتها، حيث للمتلقي الحق ساعتها في سماع أجراس الخيول وهي ترقص تحت وطأة الهادئ البنفسجي الشفيف الذي يركب صهواتها الطائعات، استعدادا للانطلاق باتجاه المستحيل.... الفروسية او (التبوردية) في لوحات الفنان عطية لها ملح وجداني ووجودي وفرجوي، ورمزية إنسانية وثقافية راقية، حيث في مواسم القبائل وأولياء الله الصالحين، أوان الصيف والربيع، تشكل تلك المواعيد الاحتفالية دعوة تلقائية للاحتفاء بزهو الطبيعة في رونقها الأخاذ، انه تكريم من الفنان بالوان الطيف والزهو التاريخي المجيد، لهذا الكرنفال التقليدي الذي تضج مواويله بحناجر فرسان يدركون جيدا كم هي الحياة تستحق ان تعاش على صهوات خيول مطهمة في صورة بهية آسرة لا توصف. في مشاركته الفنية كرم الفنان بالمناسبة مجد التاريخ الذي يميز قبائل المنطقة في بني سمير واسماعلة وبني خيران، وغيرها من القبائل التي تجد في امتلاك الخيل علامة من علامات الخير والنخوة والأصالة، التي تكتسب وفي ركابها كل الخيرات. والى جانب احتفاء الفنان عطية بالفروسية كشكل من أشكال الاحتفال الجماعي الرقيق والباذخ، برع الفنان في رسم كل ما يرتبط بالتراث والصناعة التقليدية والتقاليد والطقوس العريقة التي تنفرد بها المنطقة، هذا فضلا عن لوحات أخرى تمجد المرأة المغربية، وذلك جزء لا يتجزأ من الهوية المغربية المتجدرة في أعماق التاريخ. بهذا يكون الفنان التشكيلي عطية من خلال مشاركته المتميزة في هذا المعرض، قد بصم على تجربة فنية خاصة ومتفردة لها ما يبررها من الحضور الوازن في المشهد التشكيلي المغربي محليا ووطنيا، وهو ما يجعل الفنان واحدا من الفنانين التشكيلين المغاربة القادمين، وفي ركابه الفنية فيض ألوان تعيد إلى التاريخ والحضارة المغربيتين القها المصقول، وذلك في إشارة الى اختيار الفنان اللوحة لتكون من وجهة نظرنا بطاقة بريدية سياحة تبرز بكل وضوح المؤهلات التراثية والحضارية التي تميز منطقة وادي زم بالخصوص، كمدينة تاريخية ومناضلة، ومن خلالها باقي مناطق المغرب، انه احتفاء تشكيلي خاص بكل معاني التراث والفنون اللامادية الجميلة، وفي ذلك رسالة فريدة من الفنان الى رد الاعتبار للمورث الثقافي والحضاري لكل الأشكال الفنية والثقافية المغربية، وتسليط الضوء على ميزات الأنساق التعبيرية والاحتفالية والطقوس والعادات التي تحب لبها منطقة ورديغية عامة، ووادي زم خاصة. تلك هي بعض الإيحاءات الشعرية والجمالية للفنان التشكيلي عطية في معرضه الأخير، والتي شدت بشكل كبير انتباه المتلقي، مما يعكس أهمية المشروع الفني والجمالي، الذي يشتغل عليه الفنان، مشروع فني يحمل في طياته الكثير من العلامات الدالة على قيمة الاهتمام بالفنون التراثية في الفن التشكيلي، كفن تعبير وإبداعي بصري يعيد الحياة من جديد الى عدد من الأنماط الفنية، والأشكال والاحتفالية من تراث فن عبيدات الرما، وفروسية تقليدية، وحرف تقليدية ترتبط في الأساس بالفروسية وطقوس إعداد وجبات الكسكس، وطهي الخبز في التنور، وغيرها من الصور المجتمعية في موسم الحرث وغيره، والقيم والقضايا التي تبرز عادات الناس في البوادي والأرياف، وتلك هي صور معبرة من صور المغرب العميق الجميل، الذي يعيش جبنا إلى جنب من الطبيعة في صورة وجودية تأسر العين والألباب. من هنا يمكن اعتبار الفنان التشكيلي عطية واحدا من فناني المستقبل المجددين والمحافظين على الذاكرة الجماعية والثقافية المغربية، يرسم وفي رسمه النبيل ، مرآة تعكس قيم الحياة والوجود والمجتمع، واحتفاء خاص بكل أشكال الفنون التراثية، ما يجعل من الفن التشكيلي في حضرته، رسالة سامية تقدم للمتلقي بطريقة شاعرية وبتقنية عالية في التعامل مع الألوان وحركة الريشة، العالم وطقوس المجتمعات كما هي بلا رتوش ومساحيق، وتلك هي بعض من جماليات وشعرية الفن التشكيلي للفنان عطية، والذي يعي بكل ذكاء فني نادر ان الفنان التشكيلي يجب ان يكون صاحب قضية ورسالة، هي رسالة الفن من اجل الفن، والفن في خدمة قيم التراث والهوية والحضارة والعادات والطقوس، قيم أصيلة طبعا تتهادى مزهوة على صهوة حصان أصيل في إحدى لوحاته، يرويها فارس من تلك القبيلة، على شكل ألف حكاية وحكاية، هي قصة مشوقة، وموال لوحة انطلقت راقصة بلون الحرية من بحيرة(باريس الصغير) الكائنة في قلب وادي زم الشهيدة، باتجاه العالمية لتفرد جناحيها بشكل بديع للغاية في كل الربوع الدولية بسلام.