لا أقول أن انتفاضة القدس الثانية قد كشف عن نفوسٍ إسرائيليةٍ خبيثة، وأظهرت أحقادهم القديمة على العرب والمسلمين، وأنه لولا الانتفاضة ما كانت أخلاقهم لتظهر بهذه الصورة السافرة المقيتة، أو أنهم كانوا قبل أحداث القدس يتحلون بأخلاقٍ عاليةٍ وقيمٍ نبيلة، بل هذه هي طبيعتهم القديمة، وجبلتهم الأصلية، التي جبلوا وعاشوا عليها، وهم لا يستطيعون أن يخفوا حقيقتهم، ولا أن ينكروا طبيعتهم، لأن هذه النفوس الخبيثة موجودة دائماً، وحاضرة أبداً وإن بدت أنها تغيب أحياناً، وهي نفوسٌ متوارثة، وأحقادٌ يتواصون عليها جيلاً بعد جيل، ويتوارثونها كأنها صبغياتٌ وراثية، تميزهم عن غيرهم، وتعلمهم عمن سواهم. فهذا مستوطنٌ يهودي يضع شرائحَ من لحم خنزيرٍ على جثة الشهيد محمد الجعبري (18 عاماً)، على مرأى ومسمعٍ من الشرطة الإسرائيلية ومن جنود الاحتلال، الذين قتلوه بدمٍ باردٍ، وكانوا قد أحاطوا به كوحوشٍ مفترسة، يريدون أن ينقضوا عليه لكنهم منه كانوا يخافون، وعلى أنفسهم منه يخشون، وهو الأعزل إلا من يقينه، فلا سكيناً كان يحمل ولا حجراً، ولكنهم تكاثروا عليه، وأطلقوا عليه رصاصاتٍ قاتلة، قبل أن يأتي مستوطنٌ حاقدٌ ويضع على جسده الطاهر ووجهه الصبوح، بمباركة المحيطين به، وفي حضور عناصر الإسعاف ورجال الدفاع المدني، قطعاً من لحم الخنزير بقصد الإهانة والإساءة، بينما كان غيرهم من المستوطنين والحضور يصورون الحادثة التي بثوها بفخرٍ عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. قيادة أركان جيش الاحتلال سمحت للجنود بارتكاب المزيد من الإساءات بحق الفلسطينيين، فقد هيأت ودربت كلاباً خاصة، تلاحق وتمسك، وتعض وتنهش، وتقتل وتجرح، وتفتك بمن يريدون الفتك به، وقد دربوها على مهاجمة العرب دون غيرهم، وتمزيق ثيابهم، والانقضاض بقوة عليهم، وعلى كل من يطلق صيحات أكبر، مبررين جريمتهم التي لا يفرقون فيها بين رجل وامرأة، بأن من يفجر نفسه، ويعزم على مهاجمة الإسرائيليين، فإنه عادةً يهتف الله أكبر، لذا فقد دربوا الكلاب القوية السريعة على مهاجمة هؤلاء عند سماعهم تكبير الفلسطينيين قبل تفجير أنفسهم، علماً أن التكبير عبادةً وتسبيحاً، يلتزم بها المسلمون في كل مكانٍ، اقتداءً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يستخدمونها أيضاً لمحاولة التعرف على المارة والمشتبه فيهم إن كانوا يحملون متفجراتٍ أو أسلحة نارية. كما أنهم يأمرون بخسةٍ ونذالةٍ، وانعدامٍ للرجولة والمروءة، كلابهم بمهاجمة النساء، ومنهن محجبات، ويتركونها تتحرش بهن، عضاً ونهشاً وتمزيقاً للثياب، بينما يقومون بتصوير المشاهد، وأخذ الصور التذكارية الخاصة بهم، في أجواء من الضحك والسخرية والتهكم، ولا يستثنون من جريمتهم الأطفال والصبية، في الوقت الذي يمنعون الآخرين من نجدة المعتدى عليهم ومساعدتهم، وإلا أمروا الكلاب بملاحقتهم أيضاً. لا يكتفي الجنود ورجال الشرطة الإسرائيليون ومعهم قطعان المستوطنين، بطلقةٍ واحدةٍ أو أكثر عندما يقتلون فلسطينياً بحجة أنه كان ينوي طعن أحدهم، يل يمطرونه بعشرات الطلقات، ومن أكثر من قطعة سلاح، وكأنهم بإطلاقهم النار عليه بكثافةٍ، ينتقمون منه ومن الفلسطينيين، ويشفون بقتله صدورهم ويروون غليلهم، إذ أن من يطلق عليه النار مجموعةٌ وليس فرداً واحداً، وكأنهم فريق إعدامٍ ينفذ الأمر، لكنهم ينفذونه بمتعةٍ وسعادةٍ، وفرحٍ كبيرٍ يبدو على وجوههم. كما تثبت العديد من الصور التي تنشر عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية والعربية وغيرها، إقدام الإسرائيليين جميعاً، جنوداً ومستوطنين ومارةً، على قتل الجرحى والمصابين الفلسطينيين، حيث يجهزون على الجريح والمصاب، وهم يرونه على الأرض ملقى ويتلوى ألماً، أو يطلق صيحات الاستغاثة وطلب النجدة، لكن أحداً لا يصغي عليه، ورغم انعدام الخطر منه، وإصابته البينة الواضحة، ودمه النازف بشدة على الأرض، ومع ذلك يأتي من يطلق النار عليه من جديد، ويصيبه في الرأس أو الصدر ضماناً لقتله، وتأكيداً على "موته". لعل مشاهد قتل الإسرائيليين لنساءٍ فتياتٍ فلسطينيات، يكشف عن مدى السقوط الأخلاقي والتردي القيمي لجيش الاحتلال، الذي يوجه سلاح جنوده القاتل إلى النساء العزل، وهو الذي يدعي أنه الجيش الأكثر أخلاقية ومناقبيةً في العالم، وأنه يحترم قوانين الحرب ومبادئها، ومنها أنه لا يقتل أطفلاً ولا نساءً ولا مسنين ولا عجزة، ولا يجهز على مريضٍ أو مصاب، ولكن الحقيقة أنه يقتل كل هؤلاء، وقد رأينا كيف أطلق جنوده النار على العديد من الفلسطينيات، في الوقت الذي كانوا فيه قادرين على اعتقالهن، وتكبيل حركتهن، إذ يكن غالباً في حالة ضعف إذا سقطن على الأرض، ولا يشكلن خطراً على حياة الإسرائيليين، وسط هذا الكم الكبير من الجنود ورجال الشرطة المحيطين بهن من كل مكان، والذين يشهرون بنادقهم ومسدساتهم ويسددونها تجاههن، ومع ذلك فإنهم لا يطمئنون إلا إذا أطلقوا النار عليهن غزيراً بقصد القتل، وليس بنية شل حركتهن، والسيطرة عليهن لمنعهن من الحركة. نحن لا نقاتل عدواً عادياً يمكن مصالحته، أو الوثوق به يوماً ومصافحته، فهذا عدوٌ يتغذى على الحقد، ويعيش على الكره، ويؤمن بدونية الآخرين واستعلاء شعبه، ولا يرى في قتل الآخر جريمة، ولا يعتقد أن ضميره يؤلمه إن هو اعتدى على الآخرين وقتلهم، فهذا في عرفهم ضرورة وميزة، فلا يكونون يهوداً إن لم يذلوا الآخرين ويركبوهم، أو يقتلوهم ويشربوا من دمائهم، أو يصنعوا منها فطيرةً لأطفالهم، فما هم في عقيدتهم إلا غويم، حميراً يركبون، أو عبيداً يخدمون. بيروت في 13/10/2015