بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين.إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره.نحمده تعالى حمدا كثيرا كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه. وأشهد أنه هو الله تعالى الواحد الأحد الفرد الصمد, الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد. تعالى ربي عن الشبيه والنظير.وعن الأنداد والأضداد.لاإله إلا هو إليه المصير. وأصلي وأسلم على المبعوث بالحق بشيرا ونذيرا والداعي إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة.سيدنا محمد عليه وعلى سائر إخوانه الأنبياء أفضل الصلاة والتسليم. أما بعد : فيقول تعالى في محكم كتابه مخاطبا رسوله الكريم : (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لاإله إلا أنا فإعبدون ) الأنبياء 25 فالغاية الأسمى التي من أجلها بعث الله الرسل هو تحقيق التوحيد.توحيد الله تعالى.أي توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات والإيمان بكل بالرسل.بما تحمله وما تستوجبه من شروط. وتبقى مسألة التوحيد هي أوثق عرى الإسلام فهي حبل الله المثين وطريقه القويم.وهي العروة الوثقى التي لاإنفصام لها,وهي أول أركان الإسلام. إذا فكلمة التوحيد . لاإله إلا الله محمد رسول الله. ليست كلمة تنطق باللسان فحسب.بل هي نطق باللسان وإعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح والأركان. إذا فكلمة : لاإله إلا الله محمد رسول الله. دين كامل متكامل لايمكن أن يقوم دين إلا بها فمن أقامها فقد أقام الدين كله ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع. إن كلمة : لاإله إلا الله محمد رسول الله هي ذلك الأساس الأول الذي يقوم عليه الإسلام.فمن أقامها فقد أسس بنيانه على هدى من الله ورضوان.ومن ضيعها ولم يوفها حقها فقد أسس بنيانه على شفا جرف هار سينهار به في نار جهنم.نسأل الله السلامة والعافية. ثم أما بعد : فإن الأمة اليوم أصبحت في غربة من العقيدة الصافية وأصبحت تبتعد رويدا رويدا عن التوحيد الحقيقي الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ,إلا من رحم ربي. فأصبحنا نرى كثيرا من الناس يردد كلمة التوحيد بلسانه ألاف المرات في اليوم وهو لايفقه معناها ولا مرادها.فتراه يقع في محارم الله كأن يستغيث بغير الله أو يذبح لغير الله أويحلف بغير الله. ونرى كثيرا من الناس تردد كلمة التوحيد بلسانها وقد إختارت لنفسها منهجا للحكم بغير ماأنزل الله , فتراها تشرع لنفسها ماتشاء وتحلل وتحرم بغير علم, بل وتعتقد بأن القوانين الوضعية هي أصلح للبشر من القوانين الشرعية التي أنزلها الله في كتابه وبعث بها رسوله الأمين. وترى أصنافا كثيرة تحصر التوحيد في المساجد ودور العبادة.فتراهم يعتقدون أن الدين يصلح للتعبد فقط وأنه لادخل للدين بالسياسة والإقتصاد والمناهج التعليمية.وهذا واقع الأمة الإسلامية اليوم فكل البلاد الإسلامية تتبع النظام الرأسمالي الربوي وقد تخلت عن النظام الإقتصادي الإسلامي وإستلهمت من الغرب مناهجه التعليمية . وكذلك تجد من الناس من يردد كلمة التوحيد بلسانه وقد عاث في الأرض فسادا يشرب الخمر ويأكل أموال الناس بالباطل ولايتورع في أكل الربا. فما السبيل إذا لتحقيق التوحيد قولا وإعتقادا وعملا ؟؟؟ أما قولا : فعلينا أخي المسلم أختي المسلمة التكثير من ترديد كلمة التوحيد حتى تصبح ألسنتنا رطبة بها.وهو ماسينعكس لامحالة على قلوبنا وسلوكنا.وينفعنا الله بها يوم القيامة. ففي الصحيحين,عن أنس-رضي الله عنه –أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يخرج من النار من قال لاإله إلا الله ,وكان في قلبه من الخير مايزن شعيرة ,ثم يخرج من النار من قال لاإله إلا الله , وكان في قلبه من الخير مايزن بُرّةً , ثم يخرج من النار من قال لاإله إلا الله , وكان في قلبه مايزن من الخير ذرة " . أما إعتقادا : فإعلم أن كلمة : لاإله إلا الله محمد رسول الله قد تكونت من شقين,لذلك وجب الحديث عن كل مايستوجب كل شق من إعتقاد . الشق الأول : لاإله إلا الله. وشروطها سبعة الشرط الأول : العلم المنافي للجهل أي العلم بمعناها المراد منها وما تنفيه وما تثبته. قال تعالى " إلا من شهد بالحق وهم يعلمون " الزخرف 86 أي شهد بلا إله إلا الله وهو يعلم بقلبه ماشهد به لسانه,فلو نطق بها وهو لايعلم معناها,لم تنفعه,لأنه لم يعتقد ماتدل عليه. الشرط الثاني : اليقين المنافي للشك بأن يكون قائلها مستيقنا بما تدل عليه,فإن كان شاكا بما تدل عليه لم تنفعه, قال تعالى " إنما المؤمنون الذين ءامنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا " الحجرات 15 الشرط الثالث : القبول المنافي للرد القبول لما إقتضته هذه الكلمة من عبادة الله وحده,وترك عبادة ما سواه ,فمن قالها ولم يقبل ذلك ولم يلتزم به,كان من الذين قال الله فيهم : " إنهم كان إذا قيل لهم لاإله إلا الله يستكبرون 35 ويقولون أئنا لتاركوا ألهتنا لشاعر مجنون " الصافات 35 , 36 الشرط الرابع : الإنقياد المنافي للترك الإنقياد لما دلت عليه,قال تعالى " ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد إستمسك بالعروة الوثقى " لقمان 22 الشرط الخامس :الإخلاص المنافي للشرك وهو تصفية العمل من جميع شوائب الشرك,بأن لايقصد بقولها طمعا من مطامع الدنيا,ولارياء ولاسمعة. الشرط السادس : الصدق المنافي للكذب وهو أن يقول هذه الكلمة مصدقا بها قلبه,فإن قالها بلسانه ولم يصدق بها قلبه,كان منافقا كاذبا. قال تعالى " ومن الناس من يقول أمنا بالله وباليوم الأخر وماهم بمؤمنين " البقرة 8 الشرط السابع : المحبة المنافية للبغضاء المحبة لهذه الكلمة,ولما تدل عليه,ولأهلها العاملين بمقتضاها,قال تعالى " ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله,والذين أمنوا اشد حبا لله " البقرة 165 فأهل لاإله إلا الله يحبون الله حبا خالصا, وأهل الشرك يحبونه ويحبون معه غيره,وهذا ينافي لاإله إلا الله. وإعلم رحمك الله أن هذا الشق من كلمة التوحيد "لاإله إلا الله " يلتزم من المسلم,الإيمان به على ثلاث مستويات. أولا :توحيد الربوبية وهو إفراد الله تعالى بالخلق والأمر,كما قال عز من قائل " ألا له الخلق والأمر " الأعراف 54 فيجب على الموحد الصادق أن يعلم أن الخلق والملك والرزق والتدبير والنفع والضر.أن كل ذلك من عند الله وحده لاشريك له. فالله هو الخالق وماسواه هو المخلوق.والله هو الرازق وماسواه مرزوق.وهو تعالى الملك والمالك وماسواه مملوك. يقول الله تعالى " وماإتخذ الله من ولد وماكان معه من إله,إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض " الممؤمنون 91 فالإلاه الحق لايقبل الشركة.فلو كان مع الله آلهة أخرى لوقع النزاع ولعلا بعض الألهة على بعض.تعالى الله على مايصفون علوا كبيرا. وخلاصة القول فإن توحيد الربوبية هو: _ إفراد الله تعالى بأفعاله,بأن يعتقد أنه وحده الخالق لجميع المخلوقات " الله خالق كل شيء " _ وإفراده بالرزق "ومامن دابة في الأرض إلا على الله رزقها " _ وإفراده تعالى بالملك "قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء " ثانيا : توحيد الألوهية والألوهية ,أصلها هو العبادة,والتأله هو التنسك والتعبد ,لذا فكلمة التوحيد " لاإلاه إلا الله " معناها : لا معبود بحق سوى الله جل وعز.وكلمة التوحيد هذه قد تضمنت نفيا وإثباتا.فقد نفت الأولوهية عن كل مخلوق سوى الله وأثبتت الألوهية لله وحده.لذلك فكلمة لاإلاه إلاالله تستوجب على قائلها الكفر بكل الألهة الباطلة من دون الله وإفراد العبادة لله وحده دون كفر به ولاشرك. وأما العبادة فهي إسم جامع لكل مايحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.كالصلاة والزكاة والصيام والحج,وصدق الحديث وأداء الأمانة ,وبر الوالدين,وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف,والنهي عن المنكر,والجهاد للكفار والمنافقين والإحسان إلى الجار,واليتيم.......وأمثال ذلك من العبادات الظاهرة. وكذلك حب الله ورسوله وخشية الله تعالى والإنابة إليه وإخلاص الدين له,والصبر لحكمه,والشكر لنعمه,والرضا بقضائه,والتوكل عليه,والرجاء لرحمته.....وأمثال ذلك من العبادة الباطنة لله جل وعز. توحيد الأسماء والصفات وهو إفراد الله تعالى بأسمائه وصفاته ,التي أثبتها في كتابه وأثبتها له نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.لذا فعلى الموحد أن يؤمن بها على الوجه الذي إرتضاه ربنا وإرتضاه رسولنا صلى الله عليه وسلم من غير تشبيه ولاتمثيل ولاتكييف ولاتعطيل. يقول مولانا عز وجل " ولله الأسماء الحسنى فإدعوه بها,وذروا الذين يلحدون في أسمائه,سيجزون ماكانوا يعملون " فعلى الموحد ان يؤمن أن صفات الجلال والكمال لله تعالى مطابقة لأسمائه.فإذا قلت الرحمن فهو رحمن وإذا قلت الرحيم فهو فعلا رحيم,وإذا قلت الجبار فهو فعلا الجبار وهكذا. فالله تعالى أسماؤه مطابقة لصفاته وصفاته مطابقة لأسمائه. وأسماء الله تعالى كلها حسنى فلايجوز وصف الله تعالى بغير أوصافه الحسنى. ما تستوجبه كلمة التوحيد ومما تستوجب هذه الكلمة, " كلمة لاإله إلاالله" على قائلها,نفي الأنداد والأشباه عن الله عز وجل,كأن يقول قائل "ماشاء الله وشئت" أو "ولولا الله وأنت "...أو إتخاد معبود من دون الله كالإستغاثة بغير الله كما يفعله بعض الجهال من التعلق بالأضرحة والقبور,أو الرهبة والخشية من غير الله,وتعليق الرجاء بغير الله , قال تعالى: "ومن الناس من يتخد من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله . والذين كفروا أشد حبا لله " كذلك فكلمة التوحيد تستلزم من قائلها التبرء من الطواغيت.والطاغوت هو كل معبود من دون الله. وهم على خمسة أصناف : أولهم : الشيطان, وثانيهم : الحاكم الجائر المغير لأحكام الله تعالى. والدليل قوله تعالى : " ألم ترى إلى الذين يزعمون أنهم أمنوا بما أنزل إليك وماأنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا. " وثالثهم : الذي لا يحكم بما انزل الله. ورابعهم : الذي يدعي علم الغيب. وخامسهم : والذي يدعو الناس لعبادته من دون الله. ومما تستلزم كلمة التوحيد أيضا التبرء من كل الأرباب وتوحيد الربوبية لله وحده إخواني في الله أتمنى أن يوفقنا الله في البلوغ إلى المراد,ألا وهو تحقيق التوحيد الحقيقي الخالي من الشرك وترقبوا الحلقة الثانية المتعلقة بالشق الثاني من كلمة التوحيد "محمد رسول الله " وما تستوجبه هذه الكلمة من قائلها أيضا حتى تكتمل الفائدة بإذن الله تعالى. أخوكم خليل أبو جهاد.