طيلة شهر أبريل، شهر التوعية باضطراب طيف التوحد، يتعبأ المجتمع المدني للمساهمة في التحسيس بهذا الاضطراب الذي يزداد عدد المصابين به بوتيرة مقلقة، مع تسليط الضوء على أهمية التربية الدامجة التي تستجيب لخصوصيات هذه الفئة من الأطفال وطموحاتهم في التعلم والاندماج السوسيو- مهني. وتتحد الجهود التي تبذلها مكونات المجتمع المدني العاملة في هذا المجال بهدف الدفع في اتجاه اعتماد سياسات عمومية مجالية وقطاعية تستجيب لاحتياجات المصابين بهذا الاضطراب، وتساهم في إلغاء جميع أشكال التمييز التي تطالهم. وتشمل تدخلات هذه الجمعيات العديد من الجوانب، ولاسيما ما يتعلق بالتحسيس باضطراب التوحد داخل المجتمع عامة والأسر خاصة، ومساعدة الآباء على التكفل بأبنائهم المصابين بهذا الاضطراب، خاصة في ظل الخصاص المسجل على مستوى المراكز المتخصصة والتكاليف الباهظة التي يتطلبها التشخيص ومواكبة الأشخاص التوحديين. وبمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للتوحد (2 أبريل)، شهدت مختلف جهات المملكة أنشطة توعوية وتحسيسية نظمتها الجمعيات المحلية بهدف تحسيس أولياء الأمور بضرورة التحلي باليقظة تجاه السلوكات غير العادية الصادرة عن أبنائهم، خاصة خلال مراحل الطفولة المبكرة، وعدم التغاضي عنها، ومواكبتهم على المستوى الطبي من أجل التشخيص المبكر وبدء عملية التكفل في أسرع وقت. وضمن هذه الجهود، أطلقت جمعية (VAINCRE L'AUTISME Maroc) حملة تحسيسية تحت شعار "طفل من بين 50 يولد توحديا"، تستمر طيلة شهر أبريل (شهر التوحد)، بهدف إطلاع الرأي العام على مستوى انتشار اضطراب التوحد، والذي ازدادت حدته في السنوات الأخيرة، حيث أبرزت الجمعية استنادا إلى أحدث الدراسات المنجزة على الصعيد الدولي أنه "خلال 20 عاما، انتقلنا من ولادة واحدة مصابة بالتوحد في كل ألف ولادة، إلى ولادة واحدة في كل مائة، ثم إلى ولادة واحدة في كل 50 اليوم". وسجلت الجمعية أن هذه الوتيرة السريعة للانتشار لا يواكبها، للأسف ، وضع الآليات الملائمة للتكفل بالعدد المتزايد من الأطفال المصابين بالتوحد، لاسيما أنه من المعترف به دوليا أن الشخص المصاب بالتوحد يحتاج إلى تعليم مهيكل وم كيف ودائم، مما يتطلب تطوير بنيات تربوية مبتكرة موجهة للمصابين باضطرابات طيف التوحد. كما تسعى هذه الحملة إلى تسليط الضوء على الحلول الملائمة لاحتياجات الأطفال المصابين بالتوحد، من خلال إطلاق عدد من المبادرات لدى السلطات العمومية والعديد من المؤسسات بهدف الانخراط في شراكات، والحصول على دعم الشركاء من القطاع الخاص للمساعدة في تطوير هذه الحلول. وبحسب الجمعية، فإنه في غياب دراسة وبائية، لا توجد أرقام مضبوطة عن عدد المصابين بالتوحد بالمغرب، "غير أنه بناء على معدلات الانتشار على الصعيد الدولي، يوجد في المغرب 680 ألف مصاب بالتوحد ، من بينهم 216 ألف طفل ، بمعدل ولادة يقدر ب12800 في السنة، أي 35 ولادة في اليوم"، مشددة على أنه في ضوء معدلات الانتشار هاته، أصبح من الملح أن تضع الحكومة خطة للتكفل بالمصابين باضطراب طيف التوحد. وتحتل التربية الدامجة شقا مهما ضمن مطالب جمعيات المجتمع المدني التي تشدد على أهمية إرساء منظومة تربوية دامجة سيترتب عنها بالتأكيد مجتمع دامج لكل أفراده، يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل فرد، ويضمن المساواة في الولوج لحق التربية والتعليم للجميع. وفي هذا الصدد، دعا تحالف الجمعيات العاملة في مجال إعاقة التوحد بالمغرب، السلطات العمومية إلى تبني سياسة عمومية مندمجة لتفعيل القوانين والبرامج المرتبطة بالتربية الدامجة. وأبرز التحالف، بمناسبة تخليد اليوم العالمي للتوحد الذي يحتفي هذا العام بقضية التعليم الشامل، أن مواجهة تحديات طيف التوحد يتطلب بالإضافة إلى الكشف والتشخيص المبكرين، التدخل التربوي التأهيلي المبكر والجيد، فضلا عن توفير بيئة اجتماعية ولوجة توفر للطفل ذي التوحد فرص التفاعل مع أقرانه والتعلم ضمن مكونات الوسط التعليمي والتربوي المفتوح لكافة الأطفال. وأكد على ضرورة العمل والاجتهاد في توفير الترتيبات التيسيرية المعقولة الداعمة للعملية التربوية للتلاميذ ذوي التوحد بما يضمن جودة التعلمات، مشيرا في هذا الإطار إلى ضرورة "تفعيل قاعات الموارد للدعم والتأهيل، وتكييف البرامج الدراسية والامتحانات، وتوفير المعينات التقنية الملائمة ومرافقي الحياة المدرسية المؤهلة لمواكبة التلاميذ ذوي التوحد كحق يلزم المالية العمومية وليس مالية الأسر". وبخصوص فئة الكبار ذوي التوحد، دعا التحالف إلى العمل على حماية حقوقهم في المشاركة في كافة مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية من خلال ضمان ولوجهم إلى التعليم والتكوين وحقهم في التعليم مدى الحياة. كما شدد التحالف على أهمية دعم المواكبة الفردية للشباب ذوي التوحد، خاصة الذين تفوق أعمارهم 18 سنة، وأسرهم، ولا سيما المنحدرين من أسر في وضعية فقر أو هشاشة، والعمل على تيسير مشاركتهم الاجتماعية عبر أنشطة اجتماعية ورياضية وثقافية وفنية، داعيا إلى الإسراع بإخراج السجل الاجتماعي إلى حيز الوجود مع الحرص على تضمين الأشخاص ذوي الإعاقة بشكل عام وذوي التوحد بشكل خاص ضمن الفئات المستهدفة بنظام الدعم الاجتماعي بغض النظر عن دخل أسرهم.