لم يشبع بعد رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، من سرد نفس الحكايات والقصص منذ تسعة أشهر مرت عليه وهو في بيت الحكومة، ناسيا أو متناسيا أن منصبه كرئيس للحكومة يتطلب منه أولا ارتداء قبعة المسير الأول للشأن العام le gestionnaire numéro 1 الذي يبحث عن حلول ملموسة للمشاكل الكبيرة، والذي يقضي 90٪ من وقته يفحص السياسات العمومية، ويبحث عن البدائل الممكنة، والأطر الكفأة لامتصاص البطالة ورفع نسبة النمو واستقطاب الاستثمارات ومحاربة الفساد وتدشين الإصلاحات الكبرى، في بلاد تقول إن لها خيارا ثالثا في مواجهة الربيع الغربي، أما 10 في المائة الأخرى من وقته فلا بأس أن يمارس فيها هواية البوليميك السياسي، واستعراض ملكات الخطابة والتواصل مع جمهوره، والرد على خصومه الذين اتهمهم في الدارالبيضاء، أول أمس السبت، بأنهم يريدون إفساد فرحته. الآن باستطاعة أي مراقب لمسار بنكيران ونمط تفكيره السياسي أن يتوقع الموضوعات والقضايا التي سيتحدث عنها من هنا إلى نهاية ولايته الحكومية، إن كتب الله له أن ينهيها بخير وسلام. يبدأ بنكيران كل خطبه، في البرلمان أو في المجلس الحكومي أو في تجمع انتخابي أو اجتماع للأمانة العامة للحزب، بالحديث عن علاقته بالملك محمد السادس. هذه العلاقة التي يطبعها الود والحب واللطف، ثم يعرج بنكيران على من يسميهم معسكر الذين يريدون إفساد هذه العلاقة بينه وبين القصر، ويقول لهم إن مساعيهم ستخيب إن شاء الله، وإن رئيس الحكومة ملكي لا غبار على ولائه لأمير المؤمنين، وإنه سيبقى دائماً في ثوبه. طيب، هذا كلام كنت تقوله في المعارضة وكان له معنى، أما تكرار الحديث عنه وأنت في رئاسة الحكومة كل عشية وضحاها فهذا أمر يبعث على الملل من جهة حسن النية، ويبعث على الشك في صحته من جهة سوء النية. عليك يا سيد بنكيران أن تكون واضحا إزاء الذين تتهمهم دون أن تسميهم بوقوفهم وراء مؤامرة إفساد الود بينك وبين القصر. لا يمكن أن تقضي كل عمرك الحكومي تتحدث عن علاقتك بالملك والقصر، المغاربة يريدون أن يروا فاكهة هذا الود تمشي على رجليها، لا الحديث عن فوائدها لصحة البلاد مرتين كل يوم. اللحن الثاني الذي أصبح لازمة في كلام رئيس الحكومة هو نظافة يده ويد وزرائه، وتقديم هذه النظافة كضمانة أخلاقية وحيدة لنجاعة العمل الحكومي. وهذا خطأ كبير. أنت تعرف، يا سيد بنكيران، منذ أن كنت خطيبا في المساجد، أن شروط تحمل المسؤولية في الإسلام مبنية على أن «خير من استأجرت القوي الأمين» (الآية). قُدمت القوة على الأمانة في الآية، فالحكم ليس زاوية للدراويش، والسلطة لا يدخلها فقط النساك والعباد والمتصوفة. الحكم تصور وبرنامج وكفاءة في التدبير، وقوة في التدافع والصراع، وقدرة على قيادة الفريق... لهذا لا تطلب منا أن نوقع لك شيكا على بياض فقط لأنك رجل زاهد في هذه الدنيا لا يستهويك المال والذهب والفضة. ذهب بنكيران إلى تجمع خطابي في البيضاء وتحدث في موضوعات كثيرة، منها مهاجمة الصحف التي تنتقده دون تمييز. وإذا كانت بعض انتقاداته لها ما يبررها، فإن جمع كل الصحف في سلة واحدة، واعتبار أن لا أملس في قنافذها، أمر مضر جداً للعملية الديمقراطية ولدور الإعلام كسلطة رابعة، وقد خص «أخبار اليوم» ببعض الشمع الذي يقطره على مهنة المتاعب فقط لأننا أنجزنا ملفا عنوانه «العلبة السوداء لرئيس الحكومة»، في محاولة لفهم سر تعيين مستشار لرئيس الحكومة وزيرا للدولة في الحكومة مكلفا بإدارة مزاج بنكيران.