في ظل الازمة الصحية والاقتصادية التي يمر منها العالم بصفحة عامة، والمغرب بصفة خاصة، ألقى الملك محمد السادس خطابا للأمة بمناسبة عيد توليه للعرش، خلفا لوالده الراحل الحسن الثاني. وبخصوص تحليل مضامين هذا الخطاب، يقول المحلل السياسي كريم عايش، إن "خطاب العرش لهذه السنة، يكتسي طابع الاستثنائية بسبب تزامنه وما يعيشه المغرب تحت وطأة الازمة العالمية لانتشار وباء كورونا، وإذ شكل تلاحم العرش والشعب على الدوام رابطا مقدسا يجمع كل المغاربة، فهو أيضا حبل متين يشد كل مكونات المجتمع المغربي الى الاسرة العلوية فيكون الخطاب الملكي لقاءا صريحا بين الملك والشعب لطرح القضايا الراهنة وبسط الرؤى المستقبلية وفق فلسفة محمدية تستلهم من مدرسة الراحل الحسن الثاني تلك الوشائج القوية بين المغاربة وملكهم". وأبرز كريم عايش في حديثه مع "فبراير"، أن "هذه السنة ظهر جليا مدى التضامن الذي أبان عنه المغاربة ملكا وشعبا في مواجهة وباء كورونا و أثاره الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما ذكر به الملك عبر خلق صندوق مواجهة اثار كورونا والذي كان أولى الخطوات العملية التي رامت ملاقاة التضامن بإنقاذ لاقتصاد الوطني ليتحول بعد ذلك الى اهم الروافد الى جانب أخرى لتمويل التوازنات الاجتماعية عبر تفعيل التعويضات عن فقدان الشغل ومنح اعانات للعاملين بالقطاع الغير مهيكل دون اغفال الخطة الرائدة في تحويل بعض الصناعات الى انتاج الكمامات والواقيات وأدوات واجهزة طبية غطت الطلب الوطني و حققت الاكتفاء الذاتي". وأضاف عايش، أن "الخطاب الملكي كان قبل كل شيء خطابا للإشادة بنضج المغاربة و تضامنهم واستماتة الأطر الطبية و السلطات العمومية في عملها قصد حماية المغاربة و تجنيبهم ويلات الوباء والذي كان اشد فتكا بالدول الكبرى والتي تراخت في التعاطي الجدي مع الوباء فور ظهوره ليكبدها خسائر كبيرة في الأرواح والامكانيات ويقلص ناتجها الداخلي الخام، مدخلا اقتصاداتها في حالات ركود و افلاس، الامر الذي يحاول المغرب عبر مبادرات الملك التي تترجم الى سياسات حكومية لتدبير الازمة بما يملك المغرب من إمكانيات محدودة وما يتسم به المغاربة من تضامن واستماتة و صبر". "لدى كان عيد العرش مناسبة لإعادة النظر في تسيير الاستثمار العمومي عبر احداث الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي للاستثمار"، يقول عايش، ويضيف "وهي خطوة جد إيجابية تقطع مع تباطؤ عمل الصناديق السيادية المغربية وغرقها في البيروقراطية والمحسوبية والريع على حساب المردودية والاستثمار المنتج، وهو ما تزامن مع تعثر عمل مجلس المنافسة وغموض تقاريره ليأمر الملك بتشكيل لجنة وفق مقتضيات الدستور بعد ان فقدت مؤسسة الحكامة هاته مصداقية عملها، لتكون المبادرة الملكية في شقها التدبيري مؤشرا على ضرورة إعادة النظر في عمل الصناديق السيادية الاستثمارية والمؤسسات العمومية ككل بما يتلاءم مع الظرفية الخاصة التي يعرفها المغرب ودقة المرحلة". وتابع المتحدث ذاته، قائلا "هذه المبادرة بطبيعة الحال جاءت بتواز مع ضرورة تفعيل السجل الاجتماعي والزامية التغطية الصحية التي اعتبرها الملك محمد السادس ضرورة حتمية لكل المغاربة معتبرا انه قد ان الأوان ليتم تعميم التعويض عن فقدان الشغل والتعويضات العائلية وحتى التقاعد بما يضمن مدخولا يقي من الفقر والحرمان والهشاشة الاجتماعية للطبقات الفقيرة والعاملة بالقطاع الغير مهيكل". وذكر عايش "بكون خطاب الملك اتسم بالواقعية السياسية وبوضع الاصبع على الجرح بالدعوة الى الالتزام والانضباط ودرء التراخي في التعاطي مع الأوضاع الحالية على اعتبار ان المغرب ينتظر الموجة الثانية من كورونا والتي يجب ان لا تكون مؤلمة ومدمرة". وأكد عايش على أن الملك نبه المغاربة الى "ضرورة الصبر والتضحية إضافة الى المزيد من التضامن والتآخي فيما بينهم حتى تمر هذه الازمة ويحافظ المغاربة على بعضهم البعض، وهنا وكما اسلفنا أشار الملك ان صحة المغاربة من صحة اسرته الكريمة وانه والمغاربة جسد واحد، وانه مع رعيته يتحلى بالأمل والثقة في كون المغرب سيجتاز هذا الامتحان الصعب ليخرج قويا مرفوع الرأس في اطار بداية جديدة تدفع المغرب الى مصاف الدول المتقدمة".