يواجه القطاع السياحي بإسبانيا الذي يعد أحد الركائز الأساسية والمحورية في الاقتصاد الوطني أزمة عنيفة وغير مسبوقة بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد ما دفع السلطات إلى البحث عن حلول عاجلة واستثنائية للإنقاذ وسط تكهنات الفاعلين والمهنيين في القطاع بأن الوضع لن يتحسن في ظل استمرار الإغلاق التام وحالة الطوارئ الصحية قبل العام المقبل حسب أكثر التوقعات تفاؤلا . وتعاني السياحة في شبه الجزيرة الإيبيرية التي واصلت منذ سنوات تحقيق الأرقام القياسية من حيث المداخيل ( أكثر من 92 مليار أورو عام 2019 ) وكذا من حيث عدد السياح الذين يفدون على مختلف الوجهات السياحية المعروفة بالبلاد ( أزيد من 83 مليون سائح عام 2019 ) لتحتل في السنوات الأخيرة المركز الثاني عالميا على قائمة الوجهات الدولية الأكثر استقطابا للسياح أزمة خانقة في ظل تفشي جائحة كورونا جراء حالة الطوارئ المعلنة منذ مارس الماضي بالبلاد وما استتبعها من تعليق للرحلات الجوية وتوقف الخدمات والصناعات المرتبطة بالقطاع وكل الأنشطة المكملة الأخرى . وتشير كل التوقعات إلى أن القطاع السياحي بالبلاد الذي يساهم بنسبة تفوق 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ( حوالي 3 ر 12 في المائة ) ويشغل أكثر من 13 في المائة من اليد العاملة سيسجل في حالة عدم رفع القيود المفروضة في إطار حالة الطوارئ الصحية قبل نهاية العام الجاري تراجعا في الناتج المحلي الإجمالي بقيمة 124 مليار أورو وهو ما يعني خسائر كارثية وانخفاض سلبي قد يصل إلى 4 ر 81 في المائة من النشاط السياحي المعتاد بإسبانيا . وبالفعل فقد كشفت كل المؤشرات التي تم الإعلان عنها منذ بدء تفشي جائحة فيروس كورونا في إسبانيا أواسط شهر فبراير الماضي وبدء تفعيل حالة الطوارئ والإغلاق التام منتصف مارس وما رافق ذلك من قيود على الحركة والتنقل والسفر وإغلاق الشركات والمقاولات والمنشآت السياحية أن قطاع الخدمات قد فقد في شهري مارس وأبريل لوحدهما 580 ألف منصب شغل أغلبيتهم في القطاع السياحي حسب بيانات وزارة الشغل . ويؤكد كل الفاعلين في القطاع أن العودة السياحية قد تشهد على الأرجح مزيدا من التأخر جراء تمديد حالة الطوارئ للمرة الخامسة على التوالي ( حتى 7 يونيو المقبل ) بسبب عدم استقرار الحالة الوبائية بالبلاد ما يضاعف من الخسائر ويهدد القطاع السياحي بالانهيار وهو ما ذهب إليه اتحاد الشركات والجمعيات الجهوية لوكالات الأسفار بإسبانيا ( فيتافي ) الذي أكد أن الشركات العاملة في القطاع السياحي خسرت مبالغ مالية جد هامة من أرقام معاملاتها بسبب القيود التي فرضتها الحكومة في إطار التدابير والإجراءات التي اعتمدتها من أجل مواجهة تفشي وباء كورونا المستجد . وحسب هذا التجمع المهني فإن كل البيانات تكشف عن نتيجة مرعبة للخسائر التي تكبدتها الشركات والمقاولات السياحية ( حوالي 18 مليار أورو خلال عطلة عيد الفصح لوحدها ) مشيرا إلى أن حوالي 5 ر 2 مليون من المهنيين والعاملين في القطاع بالإضافة إلى 400 ألف شركة سياحية إسبانية قد تأثرت حتى حدود نهاية أبريل الماضي بتداعيات الأزمة الصحية الناتجة عن انتشار الوباء . وبدورها أكدت رابطة ( إكسلتور ) للتميز في القطاع السياحي التي تضم العديد من الفاعلين والمستثمرين ورجال الأعمال أن قطاع السياحة في إسبانيا قد يخسر ما لا يقل عن 80 في المائة من رقم معاملاته خلال عام 2020 أي ما يعادل حوالي 54 مليار أورو وذلك بسبب جائحة كورونا ( كوفيد 19 ) . ودعا خوسي لويس زوريدا نائب الرئيس التنفيذي لرابطة ( إكسلتور ) الحكومة إلى تبني مخطط دعم خاص للقطاع السياحي والمناقشة والتداول حول المقاربات التي سيتم اعتمادها لتحقيق الانتعاشة المطلوبة بمجرد انتهاء حالة الطوارئ وذلك حتى لا تتحول هذه الأزمة الظرفية إلى أزمة هيكلية قد تهدد الجدوى الاقتصادية لهذا القطاع الاستراتيجي والحيوي بالنسبة للاقتصاد الإسباني . وفي محاولة للحد من الخسائر التي تكبدها القطاع السياحي الذي يشكل أحد المكونات الأساسية في الاقتصاد الإسباني اعتمدت الحكومة عدة تدابير وإجراءات ذات طابع استعجالي وذلك في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتجنب انهيار هذا القطاع الاستراتيجي في النسيج الاقتصادي الإسباني . وفي هذا السياق اعتمدت الحكومة الإسبانية منذ بداية الأزمة الصحية مجموعة من الإجراءات والتدابير من أجل مواجهة تداعيات تفشي فيروس كورونا المستجد وتأثيراته الاقتصادية والاجتماعية رصد لها غلاف مالي إجمالي يصل إلى 200 مليار أورو . وأكد بيدرو سانشيز رئيس الحكومة الإسبانية أن هذا المبلغ المالي الضخم الذي يمثل نسبة 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الإسباني والذي يعد » أكبر تعبئة للموارد المالية والاقتصادية في تاريخ الديمقراطية الإسبانية » يروم بالأساس وقف النزيف والتدهور الذي بدأ يطال عدة قطاعات أسياسية في الاقتصاد الوطني وقطاع السياحة في المقام الأول ثم التشغيل والسلاسل الإنتاجية الأخرى وغيرها . كما قررت الحكومة في إطار نفس المقاربة التي اعتمدتها لمواجهة تداعيات هذه الأزمة ضمان ما يصل إلى 100 مليار أورو في شكل قروض للمقاولات والشركات الصغرى والمتوسطة وكذا للعاملين المستقلين الذين يشتغلون لحسابهم الخاص وذلك من أجل مساعدتهم على مواجهة التداعيات الاقتصادية لتفشي وباء فيروس كورونا المستجد . ويروم هذا الخط الائتماني الذي يتوزع على عدة أشطر بكلفة 20 مليار لكل شطر ضمان السيولة للمقاولات والشركات الأكثر تأثرا من تداعيات تفشي وباء كورونا خاصة في القطاع السياحي وذلك من خلال ضمان نسبة 80 في المائة من قيمة القروض الجديدة وتجديد القروض التي تطلبها الشركات الصغرى والمتوسطة والعاملين لحسابهم الخاص وكذا نسبة 70 في المائة من القروض لباقي المقاولات الأخرى والتي ستكون بأسعار فائدة أقل مع فترات سداد أطول أو منح فترة سماح قبل بداية أداء القرض. وحسب رييس ماروتو وزيرة الصناعة والتجارة والسياحة الإسبانية فإن عودة الانتعاشة إلى القطاع السياحي في إسبانيا بعد رفع الحجر الصحي وإنهاء حالة الطوارئ ستتم على مرحلتين الأولى من خلال تنشيط السياحة الوطنية عبر تدابير غير مسبوقة تشمل كل مكونات هذا الرافد المحوري في السياحة الداخلية بينما ستركز المرحلة الثانية على إعادة تنشيط السياحة الدولية . وإلى جانب هذه الإجراءات بدأت الحكومة الإسبانية منذ الرابع من ماي مخططا وخارطة طريق للرفع التدريجي لتدابير الإغلاق التام في البلاد تمتد على أربع مراحل حتى نهاية يونيو المقبل وذلك من أجل العودة إلى الوضع الطبيعي وتمكين مختلف الأنشطة من استئناف نشاطها الطبيعي . ويتضمن هذا المخطط الذي سيتم تنفيذه في ظل استمرار حالة الطوارئ الصحية وفق مقاربات مختلفة حسب الجهات تدابير وإجراءات تهم بالخصوص وعلى مراحل إعادة فتح المتاجر والمطاعم والفنادق والأماكن الثقافية تدريجيا مع السماح لمؤسسات الفندقة وتقديم الطعام ودور السينما والمسارح بإعادة فتح أبوابها بحد أقصى من ثلث طاقتها بينما ستشمل المرحلة الموالية المرونة في التنقل والحركة بصفة عامة . لكن ورغم إشادة كل الفاعلين والمهنيين في القطاع السياحي بهذه القرارات والمبادرات التي اعتبروها إيجابية ومن شأنها أن تساعد الصناعة السياحية ومختلف الأنشطة الاقتصادية الأخرى على استعادة توازنها فإنهم بالمقابل يخشون من أن الأمور لن تعود إلى طبيعتها خاصة في ظل استمرار إعمال مقتضيات حالة الطوارئ وما تفرضه من قيود على التنقل والسفر وتعليق الرحلات الجوية وإغلاق الفنادق والمنشآت السياحية مع عدم وجود مؤشرات حتى الآن عن الوقت الذي قيد يستغرقه استئناف الحجوزات وحركة الطيران المدني مرة أخرى . ويحذر المهنيون من أن الموسم السياحي لهذا العام قد انتهى حتى قبل بدايته بسبب تفشي وباء كورونا وبالتالي فإن الوضع لن يتحسن حتى عام 2021 ما دام أن السلاسل المرتبطة بالقطاع من فنادق ومطاعم ووكالات أسفار وغيرها لا يمكنها أن تستعيد انتعاشتها إلا مع انطلاق الحجوزات ووصول أفواج السياح وتوفير التمويل اللازم وكذا استعادة ثقة المستهلك في الوضع الصحي العام وكل ذلك يعتمد بالأساس على فتح الأجواء واستئناف الرحلات الجوية وكذا على ما قد يحدث من مستجدات في المجهود المبذول لمواجهة تفشي الوباء.