« لا ديمقراطية بدون أحزاب، ولا أحزاب بدون ديمقراطية »، هكذا نطق المفكرون الأولون في تأصيلهم لمفهوم الديمقراطية، لكن ماذا إذا كانت هذه الأحزاب عثرة أمام التطور الديمقراطي؟ وكيف يمكن أن نقيم عمل هذه الأحزاب؟ وإلى أي حد استطاعت الأحزاب السياسية بالمغرب أن تلعب دورها في الأزمة الحالية؟ وهل تتحمل الأحزاب المعارضة المسؤولية في القرارات المتخذة في هذه الفترة؟ أسئلة متناثرة هنا وهناك، تفتح لنا شهية نقاش عمق الإشكالات التي تعاني منها بنية الأحزاب السياسية في المغرب، إشكالات وهشاشة ليس وليدة اليوم، لكن تراكم الإخفاقات ومحاولة وأدها، سهلت المأمورية لتعرية الأوضاع أمام الأزمة الحالية التي تسببت فيها جائحة فيروس كورونا المستجد. كل هذه التساؤلات نجيب عنها في هذا الحوار الذي استضافت من خلاله « فبراير »، المحلل السياسي، والأستاذ الجامعي للعلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، عبد الرحيم العلام. – مرحبا أستاذ العلام…منذ بداية الوباء، ظلت الأحزاب السياسية بعيدة عن المبادرات التي اتخذتها الدولة إلا إذا استثنينا قلة قليلة، هل هذا راجع لبنية الأحزاب بالمغرب، أم لأن مثل هذه القرارات تتجاوز اختصاصاتها؟ قبل الشروع في الإجابة لابد من تقديم الشكر الخاص لموقع « فبراير » على هذه الاستضافة…بخصوص سؤالكم يجب أن نتفق في البداية على العمل الحزبي في العالم ضعيف وفي المغرب أضعف، وهذه الأزمة زادت من اضعاف الأحزاب السياسية في العالم، وفي المغرب عرت هذا الضعف بمؤشرات متعددة. ومن بين هذه المؤشرات أننا نجد الأحزاب اليوم تتواجد في الحكومة والبرلمان وباقي المجالس المنتخبة، لكن تبقى الحكومة هي البارزة في تدبير هذه الفترة، وهذه الحكومة بقيت في الواجهة أربعة قطاعات على رأسها تكنوقراط، يبقى لنا رئيس الحكومة الذي سواء قبل الأزمة أو خلالها نجده في مرتبة متوازية تقريبا مع وزير الداخلية، من ناحية الوزن السياسي في التركيبة الحكومية. وبما أن التشكيلة الحكومية، تفوق فيها نسبة التكنوقراط الثلث، وهذا الأخير الذي يمتلك القرار من خلال وزارات السيادة التي يسيطر عليها، فكيف يمكننا أن نحاسب الفاعل السياسي على العمل الحكومي؟ على المستوى التنفيذي، أما من حيث المستوى التشريعي، فإن البرلمان ظل مغلقا منذ بداية الازمة، والبرلمان اليوم يمكن القول إنه لا يتعدى اختصاصات « غرفة للتسجيل »، خصوصا أن جميع القوانين المحالة عليه، لم تصدر عن نواب الامة، بل هي مقترحات حكومية. يصعب الحسم في العامل الرئيسي الذي كان وراء هذا الخمول السياسي، لكن الواقع أثبت هشاشة البنية الحزبية في المغرب، وضعف قوتها الاقتراحية، وفشل منظومتها المؤسساتية. – أزمة كورونا، عمقت الهوة القائمة بين المواطنين وممثليهم، وأبانت عن ضعف فكرة التمثيل في تدبير الأزمات، بل لاحظنا أن السلطات اللاممركزة لوزارة الداخلية كان لها الدور الكبير في مواجهة الأزمة، ما مرد ذلك في نظرك؟ في الصدد، المشكل غير مرتبط بالأحزاب وفقط، بل تقاسمهم المسؤولية في ذلك وزارة الداخلية. ففي مجموعة من المناطق لا تنسق السلطات اللاممركزة لوزارة الداخلية، مع أعضاء المجالس المنتخبة، بالرغم من أن مهمة تعقيم الأزقة وتنظيم الأسواق، خاصة بالجماعات، مما يجعل من وزارة الداخلية مهيمنة على جل مناحي تدبير مواجهة فيروس كورونا المستجد. مجالس الجهات بدورها أتثبت على أنها من دون اختصاصات، ولم تمارس أي دور فعال في هذه الأزمة، باستثناء الدعم الذي تلقوه داخل الدولة في إطار الميزانية العامة للدولة، وساهموا بها من بعد في الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا، مما يبين أن رؤساء الجهات، وأعضاء مجالس الجهات عاطلين عن العمل. هذا ليس راجع فقط إلى ضعف الأحزاب، بل هناك أيضا القوانين التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية التي تساهم في هذا العجز، بحيث لا تتيح صلاحيات كبيرة للمجالس المنتخبة في تدبير هذه الازمات. إن المشكل الأساسي الذي تعاني منه الأحزاب هو ضعف اشتغالها في جميع المواقع التي تتواجد بها، سواء في المجالس التمثيلية أم في الحكومة، وكما قلنا إن هذا الامر ليس وليد الأزمة الحالية، بل ارتبط بالمنظومة القانونية للمغرب سواء على المستوى الدستوري، الذي يعطي صلاحيات محصورة لرئيس الحكومة، وخاصة في لحظات الأزمة حيث تؤول جل الاختصاصات للمؤسسة الملكية مباشرة، وهذا الأمر ليس فقط في المغرب بل في مجموعة من الدول مثل أمريكا وألمانيا وإسبانيا… – مقاطعا..في هذا السياق الأستاذ العلام، اختيار المغرب لحالة الطوارئ الصحية بدل الإعلان عن حالة الحصار المنصوص عليها دستوريا، أثار الكثير من الجدل، هل تعتقد أن الدولة المغربية أخطأت التقدير في هذه النقطة؟ لا أظن أن هناك خطأ بمفهومه الشامل، لأن حالة الطوارئ الصحية لها طبيعة خاصة، وحالة الحصار لها مدلولها كما نص عليه الدستور. يجب الإشارة إلى أن ما هو مرتبط بالجانب القانوني لحالة الطوارئ الصحية يمكن القول إنه يعد من البياضات التي تغافلتها معظم الدساتير العالمية، لأن الدساتير الحديثة لم تعش حالة أوبئة عامة كالتي نعيشها حاليا. أظن أنه مباشرة بعد الأزمة الحالية أغلب التشريعات ستعرف تغييرات على المستوى الدستوري وحتى التشريعات الوطنية، لأنه لابد للمشرع أن يتطرق إلى هذه الحالة على المستوى التشريعي. – جل أحزاب المعارضة صامتة في هذه الفترة، معتبرة أن أي محاسبة ستكون بعد نهاية الوباء، وفي هذا الصدد اعتبر البعض أن صمت المعارضة تكريس للشمولية، ويضرب عمق الدستور، كيف تحلل المسألة؟ في البداية، يجب التأكيد على أن دور المعارضة لا يقتصر على معارضة القرارات ومراقبتها، فالمعارضة نلمس دورها عندما يكون نقص، أو خلل بالسياسات العمومية، لكن عندما نكون في وضعية أزمة والجهاز التنفيذي يقوم بواجبه العام، فدور المعارضة يقتصر على التتبع والتوجيه إن تطلب الأمر ذلك. الإشكال الذي يمكن أن نعاتب عليه أحزاب المعارضة في الظرفية الراهنة، هو أنه إذا كانت الحكومة لم تستشعر الأزمة منذ شهور التي ضربت جل أقطار العالم، لماذا لم تقم المعارضة بدق ناقوس الخطر وتنبيه الحكومة بذلك، وهذا الخطأ لم تقع فيه المعارضة لوحدها، بل تتحمل إلى جانبها النخبة المثقفة والاعلام العمومي، جزء من المسؤولية. في المقابل، لا يمكن أن نحمل أحزاب المعارضة أكثر من طاقتها، فهذه الأحزاب ليس من وظيفتها تعقيم الشوارع، أو دعم المعوزين.. لكن يبقى السؤال عالقا إذا اختارت أحزاب المعارضة الصمت في هذه الفترة، إين كانت في الوقت الذي كان يجب عليها أن توجه وتنبه الحكومة للأزمة المحدقة بنا؟ ومن بين التحليلات التي يمكن أن نقدمها لهذا الصمت، هو أن أحزاب المعارضة بدورها استشعرت حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها بسبب الخطأ الجسيم الذي ارتكبت. – من ناحية الخطاب، لاحظنا تغيير واضح في اللغة التي تواصل بها بعض أعضاء الحكومة والقادة السياسيين، لغة يمكن وصفها بأنها الأقرب للمواطن، هل هذا مؤشر على تغير في بنية الخطاب لدى الفاعل السياسي بعد كورونا؟ إننا نعيش حالة عاطفية تجاه ما يحدث من أزمة، ليس في المغرب فقط بل في العالم برمته، وبعض المسؤولين المغاربة استشعروا هذه الحالة العاطفية، حيث يصبح فيها الانسان أكثر إحساسا بألم الأخرين، ولذلك يحاول إيصال المعلومة لطمأنة المواطنين والتقليل من روعهم وخوفهم. كما أن المسؤول السياسي في مثل هذه الفترات تتجاوز مهامه ما هو سياسي وما هو تقني إداري، إلى ما هو نفسي، وهذا الأمر لا يمكن أن يتجلى إلا من خلال الخطاب الهادئ والرزين القادر على بث الطمأنينة في نفوس المواطنين. وفي الحالة المغربية، نلاحظ أن الملك في كل مرة يظهر لنا بحلة جديدة، مرة في اجتماعات، مرة بالكمامة، وفي لحظة أخرى يخاطب الجيش للنزول للشارع من أجل حماية المواطنين… كلها دلالات على تغيير في التواصل، كان بإمكان الملك أن يجتمع عبر الهاتف أو يخاطب الوزراء وراء الزجاج، لكن في ارتداء الكمامة أو باقي الأنشطة التي ذكرناها لها دلالة عامة تخاطب جميع المواطنين. الحكومة والقطاعات التابعة لها، بدورهم تابعنا كيف نوعوا من طرق تواصلهم، حيث لاحظنا كيف خاطب وزير الداخلية ممثلي السلطة من أجل تجويد تعاملهم مع المواطنين، كما أن عبد اللطيف الحموشي المدير العام لمديرية الامن الوطني اتخذ قرارات جريئة للتحقيق مع مسؤولين أمنين تورطوا في معاملات سيئة مع المواطنين… التغيير الذي طرأ في خطاب المسؤولين، له علاقة بما يقع اليوم لأن الناس تدمرت بالقرارات التي اتخذتها الدولة، ولكن في نفس الوقت يجب عليهم الامتثال لها، ومن هنا من المحتم على جميع المسؤولين التعامل بشكل يزرع نوعا من الهدوء في نفوسهم ويخفف من روعهم، ثم تغيير هذا الخطاب له علاقة بتجنب ما بعد نهاية الحجر، من أجل تجنب أي احتجاجات على مستوى الشارع، عن طريق زرع الثقة في مؤسسات الدولة والتي يجب أن تستمر إلى ما بعد. – ختاما، كيف ترى عمل الأحزاب السياسية ما بعد كورونا؟ هل ستغير الأحزاب من طريقة اشتغال بنياتها التنظيمية؟ أم أن هذه الأزمة ستكون سحابة عابرة غير مؤثرة في البنية التقليدية للأحزاب السياسية؟ يصعب إبداء أي تنبئ، لأن العالم بأجمعه لا يزال في حالة صدمة، والوباء لا يزال كل يوم يقلب الطاولة على كل التوقعات، فهناك من لا زال يعتقد أن ما يقع لا يعدو أن يكون حلما، أو أن الأزمة ستنتهي بعد شهر وبضعة أيام، أي تنبئ سيكون أقرب للواقع يجب أن يكون بعد زوال الوباء. لكن على العموم، لا أتوقع أن وضع الأحزاب السياسية سيبقى على حاله، بل أذهب إلى أبعد مدى وأقول إن خريطة الأحزاب بالمغرب ستتغير بعد كورونا، وحتى إن لم يتقلص عدد الأحزاب بشكل كبير، فما هو مؤكد هو التقلص الكبير الذي ستعرفه البنية التنظيمية للأحزاب. لا نعلم كذلك هل سنعيش حياة سياسية طبيعية بعد الأزمة، أي حياة سياسية تعيش تنافس حزبي، وانتخابات، وديمقراطية…وحتى الاستحقاقات التي نحن على أبوابها لا نعلم هل سيتم إجراؤها أم ستأجل إلى أجل أخر. هناك من الدراسات، حديثة مرتبطة بالوضعية الراهنة، توقعت حدوث هزات اجتماعية ستتمخض عنها احتجاجات قد يفوق منسوب التعاطي معها ما تابعناه لحظة الربيع العربي. ما هو محتم هو أن التغيير سيشمل الجميع، وليس فقط الأحزاب السياسية، بل تغيير في عقلية الانسان بصفة عامة، ما نتمناه هو أن يكون هذا التغيير إلى الأمام، وأن نستغل هذا الحجر من أجل التفكير العميق في الأعطاب التي تعاني منها البنية التقليدية للأحزاب، ومعالجتها بشكل جماعي بعيدا على المزايدات الفارغة. – قبل أن نستودعك أستاذ العلام، هل من الممكن أن تكشف لنا عن الأعمال التي تقوم بها في الحجر الصحي؟ وما هي النصائح التي تقدم للطلبة والباحثين بخصوص الحجر الصحي؟ الحجر الصحي هو هدية من ذهب بالنسبة إلي، لأن كثرة الالتزامات والخروج من البيت لا تتوافق مع الباحث، وهنا يجب أن أذكر أن المرحوم محمد عبد الجابري كان يغادر منزله فقط يوم الجمعة للتدريس في الكلية ثم يعود إلى المنزل للإنكباب على البحث إلى يوم الجمعة الآخر، وعاش حياته هكذا. سبق وأن دخلت في حجر أكاديمي لمدة شهرين، ولدي تجربة في هذا الامر، بالنسبة لليوم أقضيه بين القراءة وأركز على العودة لأمهات الكتب في مجال العلوم السياسية، وأكسر التعب بقراءة الرواية، أو أشاهد الأفلام الجادة، وخلال هذا الامر أجعل من الموسيقي المصاحبة للقراءة، ولن أخفيكم أنني محب ل »لعيطة » واستمع لها بشكل مستمر، ثم أمارس الرياضة ولو بشكل قليل، ويبقى بعض الوقت لأسرتي الصغيرة. وأحاول يوميا متابعة مستجدات الأخبار في المغرب والعالم، ثم التفاعل مع المستجدات التي ترتبط بميدان اشتغالنا، من أجل مساهمتنا كمثقفين في القضايا التي تشغل الشأن العام. بخصوص النصائح، يجب على جميع من كان على خصام مع الموسيقى أن يعود لها ويصالحها في هذه الفترة، لأنها تساعد على التركيز والترفيه في الآن ذاته، ثم الاطلاع على الكتاب والرواية، ومشاهدة الأفلام الجادة والتي لها رسائل ومعرفة علمية، فهي ترفه على الفرد ويستفيد في آن واحد، ثم الرياضة التي لا يجب على الفرد أن ينساها. ختاما، إبني قدم لي نصيحة وأود أن اتقاسمها معكم، في وقت الحجر الصحي نظرنا يبقى محدودا وفي غالب الأحيان نضع أعيننا على شاشات الحاسوب أو الهاتف أو الكتاب، وهذا يتسبب لنا في ضعف كبير على مستوى النظر، يجب على الفرد أن يأخذ ربع ساعة على الأقل للنظر في نقط بعيدة من أجل اراحت العينين من النظر القريب الذي يرهقهما.