مع مشاهدة البلاغ اليومي لوزاة الصحة حول الحالة الصحية لضحايا « المجرم كورونا »، أحسسنا كمغارية بحزن شديد لإرتفاع نسبة الوفايات ( 10) و حزننا كان أعمق بسبب صورة نسجت في خيالينا و راجت بين أعيننا جميعا، ألا و هي فاجعة فقدان أستاذتين جليلتين من المجلس الأعلى للحسابات في يوم واحد. أتيا من مدن مختلفة و ضرب لهما موعدا في مدينة أخرى، في يوم أريد أن يكون لهما كنساء مغربيات متميزات تكريما و تقديرا لعملهما الدؤوب في مصلحة هذا الوطن. و تشاء الأقدار أن يكونا لهما موعدا آخر في زمن غير بعيد، ليحتسبا من شهداء هذا الوطن نفسه. نسأل الله أن يتغمدهما و بقية إخواننا و الانسانية جمعاء برحمته الواسعة و أن يرفع عنا هذا البلاء. آمين. هذا الوباء ليس كسابقته في قسوته. أجبرنا جميعا أن ننحصر في حالة من الهوس و الهلع، و اللعب على الأعصاب بدون أي قدرة على التنبأ لما قد تؤول إليه الأمور. فمن المنظور العام، المغرب يظل إلى حدود الساعة متفوقا في محاصرة « المجرم كورونا » و هو في الطريق إلى القضاء عليه إن شاء الله. ولكن تنتظرنا أيام عصيبة ستأرق الكثير منا. لا خوف. رجاءا. الحجر الإلزامي هو ملتزم به بين عدد كبير من موطنينا و هو كذلك في سير التنفيد و التقييد بشكل تصاعدي، و أرقام المصابين بالرغم من تصاعدها إلى حدود الساعة لا تبعث (حقيقة) إلى قلق. سرعة إنتشار هذا العدو في أصعب أسبوعه لا يمكن التكهن به إطلاقا و لكن ما يمكن أن أجزم به هو أن الدولة بكل مؤسستها مصممة على القضاء على « المجرم كورونا » و إراحة مواطنيها من فتكه و بطشه، و سيكون ذلك لا محالة. تلك هي ثقتي و ثقة الكثيرين اليوم من هذا الموضوع. و هذه الثقة المتزايدة يوما بعد يوم بين المواطنين و مؤسساتهم في القضاء معا على أخطر مجرم في العالم، و لجوء الناس طواعية (في عدد كبير منهم) و بدون تشكيك للإلتزام و الإنظباط لأوامر السلطات، لا يمكن إلا تسجيله كإتجاه جديد لم يكن منظرا مألوفا فيما بيننا منذ بضع سنين. الإحتقان كان سيد المرحلة و التركيز لم يكن إلا فيما قد يثير الشك أو الإستهزاء من المؤسسات و السلطات. كل هذا تغير بسبب « المجرم كرونا ». لولاه، لما تذكرنا أننا عند اشد الأزمات، تظهر فينا بصمة قديمة لدولة عريقة لها من الأصول ما تحفظ به للمغرب موقفه المشرف بين الدول. و لعل أكثر شيئا غير من مزاجي و انا أتصفح العالم الأزرق في نفس ليلة وفاة الشهيدتين، نجدد عليهما الرحمات، هو فيديو لرجال أمن ينشدون مع مواطنين ملزمين في بيوتهم و عبر نوافدهم، النشيد الوطني المغربي معا. السلطات المحلية و كل القوات المتدخلة أبانت عن مهارة غير متوقعة في مواصلة و محاصرة » المجرم كورونا » من جهة، و التعامل بأسلوب سلس في تجنب التشاحنات في مداخلتهم لتطبيق مرسوم الحجر الالزامي على مواطنينا. عدد كبير من الشرائط لقياد و قايدات في مختلف المدن المغربية تفاعلوا فيها مع محيطهم بدون شطط في استعمال السلطة بل العكس تماما، و كأنها سياسة أمنية عامة طلب فيها الليونة و العفو عند المقدرة. كل ما رأيناه من تغيير غير مسبق في تصرفات الشعب و السلطات و التفاعل الإيجابي بينهما لم يكن ممكنا لولا فعلة « المجرم كورونا ». و لا ربما له حسنات أخرى، فالمجتمع المغربي يعيد حسابته و أولوياته اليوم و هو أكثر قابلية على تجاوز ما فات للتطلع إلى دولة ذو مؤسسات فعالة، تستمر في إعطاء هذه الصورة المشرفة من تقريب السلطة من المواطن. و الإنتصار المؤكد على هذا « المجرم كورونا » اليوم يكتمل أولا بالتركيز على مواصلة القضاء عليه عبر إلزام بيوتنا إلى أن يرفع الحجر رسميا، و أن نحدر من الوقوع في فخ غزوة أحد. ستكون أيام أفضل أمامنا و سنكون إن شاء الله في الموعد مع رمضان و أجواء رمضان و ستفتح مساجدنا و سنصلي فيها لله حمدا و شكرا على لطفه بنا و على كرمه الواسع علينا. تلك هي ثقتي بربي و وطني. حسن عباسي، إستشاري دولي، متخصص في الإقتصاد السياسي الدولي