مع اقتراب نهاية عهد زعامة جيرمي كوربن لحزب العمال البريطاني، تتجه الأنظار إلى أقوى المرشحين لخلافته، وتسليط الضوء على مواقفهم السياسية سواء تعلّق الأمر بالملفات الداخلية أو الخارجية. وفيما يتعلق بالمواقف الخارجية، يبرز الموقف من القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي بوصفه عاملا محددا لتصنيف المرشحين خصوصا أن كوربن كان صديقا فوق العادة للقضية الفلسطينية، مما جر عليه العديد من المضايقات والاتهامات بمعاداة السامية، رغم فشل خصومه في إثبات هذه التهمة. ومن بين المرشحين الثلاثة لقيادة حزب العمال، تعد المرشحة ربيكا لونغ بيلي -التي يصفها كثيرون بالوجه النسائي لسياسات كوربن في الحزب- الأوفر حظا لقيادة الحزب المعارض البريطاني بعدما أظهرته من قدرات خطابية وإمكانيات على الحجة والبرهنة في كل المناظرات التي جمعت المتنافسين على قيادة العمال. التقارب بين ربيكا وكوربن بدا جليا من خلال المساعي الحثيثة التي يقوم بها زعيم حزب العمال لضمان وصول هذه السيدة ذات 41 سنة إلى زعامة الحزب المعارض، كما نالت أيضا دعم جون ماكدونيل أحدث كبار قادة العمال ورفيق كوربن لسنوات طويلة. ومن بين المرشحين الثلاثة لزعامة الحزب، تظهر ربيكا التي تشغل منصب وزيرة الخزانة في حكومة الظل، أكثر المتنافسين توازنا فيما يتعلق بالملف الفلسطيني مقارنة بالمرشحين الآخرين. ولا يدخر هؤلاء المرشحون الآخرون جهدا في الابتعاد عن أي اتهام بمعارضة الاحتلال الإسرائيلي، وذلك خشية التأثير على حظوظهم الانتخابية، خصوصا أن تحليلات كثيرة ذهبت لكون الحملة الشرسة التي تعرض لها جيرمي كوربن خلال الأشهر الماضية كان سببها مواقفه المناصرة للقضية الفلسطينية وانتقاده العلني لسياسات الاحتلال. بدأت الأضواء تسلط على ربيكا لونغ بيلي خلال الأسابيع القليلة الماضية بعد أن ظهر أنها المنافسة الأقوى للمرشح كير ستارمر، وترجح استطلاعات كثيرة أن تنحصر المنافسة بينهما، ورغم دخولها المتأخر في حملة الظفر بزعامة حزب العمال، فإن النائبة البرلمانية نجحت وفي وقت وجيز في حشد دعم صقور حزب العمال خلفها، وهو ما قد يقلص الفارق بينها وبين منافسها. تقدم ربيكا نفسها بكونها تمثل الجيل الجديد في حزب العمال الراغب في منح « الإلهام » للشعب البريطاني، وظهر أنها تدرك ما تريد القيام به من خلال تركيزها على موضوع الإعلام، الذي ترى أن حزب المحافظين بات متفوقا فيه، لذلك فهي تعد بإطلاق منصة رقمية لإنتاج محتوى خاص بمواقع التواصل الاجتماعي. ولا تحاول هذه السياسية البريطانية التي ترعرعت في كنف أسرة عمالية من أصول إيرلندية، أن تخفي علاقتها القوية بجيرمي كوربن، بل كانت من أشد المدافعين عنه ضد تهم معاداة السامية التي لاحقته خلال الانتخابات الماضية، وأكدت أن تصريحات كوربن المنتقدة لسياسات إسرائيل لا تحمل أي مؤشرات لمعاداة السامية. وقاومت المرشحة لقيادة العمال والتي دخلت الحزب لأول مرة نائبة سنة 2015، الكثير من الضغوط من أجل الانضمام لمجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب العمال، وذلك بعد طلبات متكررة من اللوبي المساند للاحتلال للانضمام لهذه المجموعة لكونها عضوة في مجموعة أصدقاء فلسطين داخل حزب العمال. ولا يمكن المجازفة بالقول إن ربيكا ستسير على نهج كوربن نفسه في التعامل مع القضية الفلسطينية، بل تحاول أو تختط لنفسها توجها يقوم على الحفاظ على دعم القضية الفلسطينية دون الدخول في مواجهة مع اللوبي المعارض لهذه التوجهات سواء داخل الحزب أو خارجه، لعلمها أن العمال يمر بظروف صعبة، والضربات التي تلقاها في الفترة الماضية تحتاج لوقت لاستيعابها. ورغم المحاولات المتكررة لاستدراجها للتعبير عن موقف مؤيد لإسرائيل، فقد حافظت المرشحة العمالية على مسافة من الاحتلال، مشددة على دعمها لحق الفلسطينيين وعلى ضرورة حل هذا الملف وفق المقررات الأممية والقوانين الدولية ورفض التجاوزات التي يقوم بها الاحتلال خصوصا فيما يتعلق بالمستوطنات، كما كانت من الداعين لإنهاء الحصار على قطاع غزة وتحسين ظروف عيش الفلسطينيين سواء في الضفة أو القطاع.