عادل عبد الرحيم: اتفاق بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة في دارفور، على تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، يعيد إلى الواجهة أسماء الرئيس المعزول عمر البشير و3 من معاونيه. والثلاثاء، قال المتحدث باسم مجلس "السيادة" الانتقالي في السودان، محمد الفكي سليمان، إن التوافق بين الحكومة والحركات المسلحة في دارفور على تسليم من صدرت بحقهم أوامر اعتقال من "الجنائية الدولية"، بتهمة ارتكاب "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية"، يشمل البشير (1989- 2019). وفي 31 مارس/ آذار 2005، قرر مجلس الأمن الدولي إحالة ملف مرتكبي التجاوزات في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، في سابقة اعتبرت تاريخية، حيث كانت المرة الأولى التي يحوّل فيها مجلس الأمن ملف صراع للمحكمة الدولية للبت فيها جزئياً. وفي مايو/ أيار 2007، أصدرت "الجنائية الدولية" مذكرات اعتقال بحق وزير الدولة السوداني للشؤون الإنسانية آنذاك أحمد هارون، وعلي كوشيب، أحد قادة مليشيا "الجنجويد" المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور. وبعدها بعامين، وتحديدا في مارس/ آذار 2009، أصدرت الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق البشير بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وكانت تلك أول مذكرة توقيف تصدرها المحكمة بحق رئيس دولة يمارس مهامه، وذلك منذ تأسيسها عام 2002. وفي يوليو/ تموز 2010، أصدرت الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال ثانية بتهمة "الإبادة" بحق البشير. وفي مارس/ آذار 2012، أصدرت المحكمة نفسها مذكرة اعتقال بحق وزير الدفاع السوداني حينها عبد الرحيم محمد حسين، بتهمة ارتكاب جرائم ضد مدنيين في إقليم دارفور. ويشهد الإقليم، منذ 2003، نزاعا مسلحا بين القوات الحكومية وحركات متمردة، أودى بحياة حوالي 300 ألف شخص، وشرد نحو 2.5 مليون آخرين، وفق الأممالمتحدة. البشير (79 عاما) تولى السلطة في السودان عقب انقلاب عسكري قاده في 1989 ومعه 15 ضابطا (مجلس قيادة ثورة الإنقاذ)، وأطاح بالصادق المهدي رئيس الوزراء المنتخب. ولد البشير في إحدى قرى السودان عام 1944، وتسلم قيادة أحد أبرز بلدان إفريقيا، لكن بعد سنوات من حكمه، انفصل الجنوب من السودان في استفتاء جرى عام 2011. بخلفية عسكرية عتيقة نالت القسط الأكبر من حياته بين ثكنات الجيش الذي التحق بصفوفه في سن مبكرة، تدرج البشير في دراسات العلوم العسكرية، في أعوام 1981 و1983 و1987. أدمن البشير اللجوء للخيار العسكري في أحيان كثيرة مع أزمات تصاعدت بأرجاء حكمه، وواجه أزمة الجنوب مع اشتداد الحرب الأهلية، غير أنه استجاب لضغوط إقليمية وأمريكية، ووقع اتفاقا للسلام عام 1996 تلاه باتفاق جديد في 2002، منح الجنوب الحق في تقرير المصير بعد فترة انتقالية مدتها 6 سنوات. واستمر البشير في توقيع اتفاقيات حل أزمة الجنوب، أبرزها في 2005 عندما وقع اتفاق سلام وتقاسم ثروة وسلطة بين الشمال والجنوب الذي حظي بحكم ذاتي، وذلك قبل أن يصوت الجنوبيون في استفتاء 9 يناير/ كانون الثاني 2011 لصالح الانفصال وإنشاء دولة "جنوب السودان". ورغم صعوبة أزمة الجنوب، إلا أن الأزمة الأكبر التي لا تزال تلاحقه للآن تظل النزاع القائم في إقليم دارفور، والذي دفع مجلس الأمن بدءا من 2001 لإقرار مجموعة من العقوبات الاقتصادية على السودان، وحظر السفر على بعض المسؤولين السودانيين على خلفية اتهامهم بارتكاب جرائم حرب في دارفور. ولم تنته الأزمات خصوصا تلك التي رفع فيها السلاح ضد البشير، خاصة في مايو / أيار 2011، عندما واجه تمردا جديدا في ولايتي النيل الأزرق (جنوب شرق) وجنوب كردفان (جنوب). ولم يكن السلاح وحده من أرّق البشير، فالاحتجاجات الشعبية في ديسمبر/ كانون أول 2013، أصابته أيضا بالذعر، عقب مطالبات شعبية برحيله، وإحباط محاولة انقلابية ضده في العام ذاته. وفي مواجهة ذلك، اضطر البشير لطرح مبادرة للحوار الشامل، في 2014، مع القوى السياسية المعارضة، واستطاع بعد عام أن يفوز بنسبة 94.5 في المئة من الأصوات برئاسيات 2015. لكن بعد 4 سنوات لم تسر الأمور كما أراد البشير، واندلعت احتجاجات شعبية واسعة منددة بالغلاء في ديسمبر/ كانون أول 2018، قبل أن تتحول للمطالبة بتنحيه عن السلطة. وتحقق ذلك بإعلان الجيش عزل البشير في 11 إبريل/ نيسان 2019، واعتقال البشير والتحفظ عليه. عبد الرحيم محمد حسين (70 عاما) تولى العديد من الحقائب الوزارية أبرزها الدفاع (2005- 2015)، وهي الوزارة صدرت بحقه مذكرة اعتقال من "الجنائية الدولية"، وهو يتولاها. وشغل حسين مهام وزير الداخلية بين عامي 2001 و2005 والمبعوث الخاص للبشير إلى دارفور بن عامي 2003 و2004، وهو أيضا متهم بتنفيذ هجمات على المدنيين بالإقليم. ولد ونشأ بمدينة دنقلا بمنطقة كرمة بالولاية الشمالية (شمال)، وحصل على دبلوم الهندسة الميكانيكية من معهد الخرطوم الفني، ثم عمل مهندساً ميكانيكياً. التحق بالكلية العسكرية في 1973 وتخرج ضابطا، وأول مناصبه كان أمينا عاما لمجلس قيادة الثورة الذي قام بالانقلاب، وتولى أول حقيبة وزارية في عام 1993 وزيراً للداخلية، وبقى في المنصب لنحو عام ونصف. إثر ذلك، تقلد مهام وزير لشؤون الرئاسة قبل أن يعود مرة أخرى وزيرا للداخلية في الفترة التي شهدت اندلاع الحرب بدارفور (2001- 2005). ثم عُيّن وزيرا للدفاع، وصدر قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقاله وهو على رأس الوزارة في 2012، وأعفي من المنصب في 2015، وعين حينها حاكم (والي) ولاية الخرطوم حتى إعفائه في سبتمبر/ أيلول 2018. اعتقل عقب عزل البشير في أبريل الماضي، وهو محبوس حتى الآن. أحمد هارون (56 عاما) درس بمدينة الأبيض السودانية، والتحق بكلية الحقوق جامعة القاهرة المصرية، وعقب تخرجه في 1987، عاد للسودان ليعمل قاضيا لفترة. وفي 2003، عينه البشير وزير دولة بوزارة الداخلية بعد تصاعد الاضطرابات في إقليم دارفور، حيث تولى هذا الملف. أعفي هارون من منصبه بوزارة الداخلية في 2005، ليتقلد مهام وزير الشؤون الإنسانية بحكومة الوحدة التي تشكلت بموجب اتفاق السلام جنوبي البلاد. وفي عام 2009، عين في منصب والي ولاية جنوب كردفان (جنوب)، وقد احتفظ بالمنصب عام 2011 بالانتخاب، إلا أن منافسيه اتهموه بالتزوير. وفي 2013، تم تعيينه واليا لولاية شمال كردفان (جنوب)، وظل في هذا المنصب حتى فبراير 2019. وفي 2019، ومع تزايد الاحتجاجات الشعبية ضد البشير، نقل الأخير صلاحيته إلى نائبه أحمد هارون في الحزب الحاكم، كما عينه مساعداً للرئيس. وكسابقه، يقبع هارون حاليا في سجن كوبر بالخرطوم مع رموز النظام السابق. علي كوشيب (62 عاما) عسكري سوداني، يتهم بأنه قائد ميداني لمليشيا "الجنجويد"، ومتهم بارتكاب "جرائم حرب"، ولد في غرب دارفور، وهو من قبيلة ذات أصول عربية، التحق بالقوات المسلحة عام 1964 في شعبة السلاح الطبي، وعمل ممرضا إلى أن وصل رتبة مساعد رئيس. أحيل إلى التقاعد عام 1997، ثم التحق بقوات الدفاع الشعبي (قوات موازية للجيش أنشأها البشير بعد اشهر من انقلابه في 1989). اعتقلته الحكومة السودانية مرتين، وحققت معه ضمن آخرين بشأن اتهامات موجهة إليه متعلقة بأحداث في دارفور. (الأناضول)