قبيل الإعداد لحفل الولاء، الذي تجدد فيه البيعة للملك – الأمير بحسب دعاة التقليدانية داخل المجتمع المغربي، تداعت مجموعة من الأصوات بين المؤيد والمعارض لإقامة هذا الحفل باعتباره طقسا يختلط فيه الديني بالسياسي لتجديد مشروعية النظام السياسي، من خلال "فضاء افتراضي" بدوره ينتقل ببهو القصر الذي يجرى فيه هذا الحفل، عبر الزمن ليعبر أزيد من 13 قرنا ليحيل بذلك داخل المخيال "المخزني" إلى بيعة الرضوان، لتمتد بذلك مشروعية النظام إلى ما هو بيولوجي يذكر فيه بأن "الملك – أمير المؤمنين" هو سبط النبي محمد (ص)، وبالتالي تصبح عملية تجديد البيعة تذكيرا بذلك الموروث الديني الذي ينهل من التاريخ والدين والقرابة لتعزيز مشروعية النظام القائم. الفريق الثاني المناهض لهذا الحفل/ الطقس يشترك مع الأول في معطى أساسي هو أن معارضته لهذا الحفل والاحتجاجات التي يقوم بها بقيت بدورها تترنح داخل فضاء افتراضي وهو صفحة داخل الموقع الاجتماعي "فايسبوك"، من خلال الدعوة إلى الاحتجاج الرمزي التي انطلقت، من قبل مجموعة من النشطاء الشباب على الفايسبوك عبر تنظيم حفل رمزي بعنوان "حفل الولاء للحرية والكرامة" يوم الأربعاء 22 غشت الجاري، وبذلك عبرت عن رفضها لهذا الطقس، عبر المطالبة بإلغاءه. صحيح أن الاختلاف جذري، وأن الطرف الثاني يختلف عن الأول في أن أفكاره ومطالبه تنهل مما هو حداثي يواكب العصر ويرفض أي استرداد أصولي يمكنه أن يجعل الحاضر مرتبطا بالماضي وهو ما يفسر الأفعال السياسية والاجتماعية التي تمارس الآن، لكن نقاشه لم يمتد إلى الفضاء العمومي المادي، وبقي مجرد دعوة ولدت خلف جدران افتراضية. ما فائدة هذا الحفل اليوم؟ سؤال حاول أن يجيب عليه الفقيه والسياسي المشاكس بالإضافة إلى الشباب الذي أصبح يتخذ من المحاورات الافتراضية ملجأ له بدل مقرات الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني. فالأول (أي الفقيه) بادر من خلال خرجة أحمد الريسوني، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، إلى اعتبار أن تكرار البيعة كل سنة هو في حد ذاته تشكيك فيها، فهم ربما يعتبرون أن المغاربة يُقدِّمون ولاء وبيعة لمدة سنة واحدة محددة الصلاحية وتحتاج إلى تجديد وإلى شحن الرصيد كل سنة، منتقدا طريقة ربط الوزير التوفيق بين بيعة في الحاضر وبيعة الرضوان. السياسي بدوره، من خلال مجموعة من الوجوه السياسية المعارضة، يطرحون إمكانية إلغاء هذا الحفل وتعويضه بحفل يغيب فيه المعطى الديني، ليصبح بمثابة حفل يقام للاحتفال بالملكية ومع الملكية بتقليد يذكّر بمشروعية المؤسسة ودورها كموحد لجميع المغاربة في ظل غياب أي صور أسطورية أو لاهوتية تحيل صورة الملك على ثقافة "ظل الله في الأرض" أو الأمير المفوض من الله لتسيير شؤون البلاد والعباد". فحرص النظام السياسي التقليداني اليوم على إقامة هذا الحفل ونقله عبر القنوات السمعية البصرية في إخراج متقن يبرز تفاصيل هذا الحفل، مرده وجود إرادة مستمرة للتأويل التقليداني للدستور، وأن النظام السياسي مازال يستعمل نفس الميكانزمات التي تهدف إلى وشم الذاكرة الجماعية بهذا الطقس الذي يضرب أي تأويل ديمقراطي للدستور في الصميم، ليصبح بذلك الأمير فوق الدستور وفوق الانتخابات وفوق الحكومة المنبثقة من صناديق الاقتراع. فهل من "نقاش عام تترجم في القنوات العمومية " لهذا الحفل ومراسيمه أم أن نقاشاتنا ستبقى افتراضية بين بهو القصر وجدران الفايسبوك؟