كان الحسن الثاني يمشي يومها بخيلاء وبكثير من التباهي، دون أن ينتبه إلى أن والده كان يخضعه لاختبار، كما يحكي الملك الراحل عن اليوم الذي نهرنه فيه والده:«يا ولدي، لقد رأيتك قبل قليل حين كنتَ تعبُر الساحة أمام القصر، وأنتَ تمدَ يدك ليقبلوها. لم تكن تشعر بأدنى حرج، بل بالعكس كنتَ تشعر بمتعة في ذلك. مستقبَلا، لا تنسَ أن تسحب اليد التي يريدون تقبيلها. واعلم أن الحب الذي يعبرون عنه تجاه أسرتنا هو حب روحي وأخلاقي، ولا يمكن التعبير عنه بتقبيل اليد» إذا صدقنا عيسى بابانا العلوي، الذي يبدي حماسا كبيرا دائما أمام «إنجازات» الأمير الصغير، ففي سنة 1935 «حصل هذا الأخير على جائزة خلال مسابقة في السباحة لا يحصل عليها عادة سوى المراهقين البالغين 13 سنة من أعمارهم. فخلال هذه المسابقة، التي نظمتها الجمعية الفرنسية للسباحة والإنقاذ، تحت إشراف الكولونيل كاهوساك، الذي جاء خصيصا من فرنسا لهذا الغرض، سوف «يقطع مولاي الحسن مسافة مائة متر سباحة دون توقف ودون عناء»، مثيرا بذلك إعجاب الجمهور الحاضر، وأحيانا «دهشته»، بل إن عددا من السباحين الذين سبق لهم تحقيق إنجازات كثيرة، دُهشوا وهم يروْن الأمير مولاي الحسن يتجاوزهم. وفي سنة 1935، سوف يولد مولاي عبد الله، أخوه الأصغر، الذي سيكون قاسيا معه فيما بعد. غير أنه في تلك المرحلة، حسب مؤرخين رسميين، «لم يُخْف فرحته الطفولية، ولم يتردد في لمسه باهتمام كبير».أما أوقات المدرسة، فقد كانت عصيبة، حيث يروي أنه «في سن السابعة، كنتُ أدرس من الساعة السادسة إلى الحادية عشرة صباحا، ومن الساعة الثانية إلى السادسة والنصف مساء: خمس ساعات في اللغة العربية، وثلاث ساعات في اللغة الفرنسية، التي أتكلمها بطلاقة منذ الثانية من عمري، بفضل مربياتي، ثم بفضل المكلف بتعليمي السيد دوفيل».في الرابعة من عمره، سيصبح رئيسا شرفيا لحركة الكشفية المغربية، التي تأسست سنة 1933 بمدينة سلا، ثم كولونيلا للحرس الملكي في سن السابعة. كان يبدو أن الأمور أصبحت تتخذ طابعا جديا بالنسبة إلى الأمير الصغير. خلال هذه الفترة يعترف بأن «اللباس الرسمي كان جميلا. وفي الحقيقة، كنتُ أتباهى، لكن دون أن أنتبه إلى أن والدي كان يخضعني للاختبار. كان يتتبعني». وبالفعل، فقد قال له يوما: «يا ولدي، لقد رأيتك قبل قليل حين كنتَ تعبُر الساحة أمام القصر، وأنتَ تمدَ يدك ليقبلوها. لم تكن تشعر بأدنى حرج، بل بالعكس كنتَ تشعر بمتعة في ذلك. مستقبَلا، لا تنسَ أن تسحب اليد التي يريدون تقبيلها. واعلم أن الحب الذي يعبرون عنه تجاه أسرتنا هو حب روحي وأخلاقي، ولا يمكن التعبير عنه بتقبيل اليد». خلال سنة 1937، سيرافق الأمير والده، مرة أخرى، إلى فرنسا. كانت السيارة التي يتقدمها الحرس بالدراجات النارية، تقطع شوارع باريس الفارغة بسرعة فائقة. وقد دفع الفضول المتعاظم الحسن الثاني، وسأل أحد المسؤولين الفرنسيين عن السبب: «أجابني متوترا بأنه كان من المتوقع أن تعرف الشوارع مظاهرات كبيرة تنظمها حركات اليسار لصالح الجبهة الشعبية، إضافة إلى مظاهرات مضادة من تنظيم أحزاب اليمين». خلال هذه الفترة، سوف يكتشف الأمير عالم السياسة الدولية. ذلك أن التوترات ما انفكتْ تتزايد في أوربا، إلى درجة أنها ستحول دون متابعته للدراسة بكوليج ليروش الشهير، غير بعيد عن سويسرا، وذلك بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية. وحين اضطر للبقاء في المغرب، وهو في سن العاشرة حين اندلعت الحرب العالمية، بادر والده إلى تمكينه من بعض المبادئ في الدبلوماسية الدولية. وخلافا لبعض القادة العرب الذين كانوا يدعمون هتلر، بصفته عدوا للقوى الاستعمارية، فإن السلطان محمد الخامس فهم أن المغرب لا ينتظر شيئا من الإيديولوجيا النازية. بل لقد كان مقتنعا بأن معركة المغرب من أجل الحصول على استقلاله، تمر بالضرورة عبر الصراع ضد هتلر. وفي الفترة نفسها، سوف يسمح له والده بتعلم الموسيقى، والبيانو بصفة خاصة تهذيبا له ولذوقه. لكن، وخلافا لما يزعمه بعض مؤرخيه، ومهما تكن طبيعة مواهبه، فإن الحسن الثاني لم يكن أبدا«عازف بيانو جيدا»، لأن محمد بن يوسف سرعان ما وضع حدا لهذه الرغبة. يقول مستحضرا هذه الفترة بأسف:«يجب القول، في المجال الفني، بأنني كنتُ ضحية لتكويني. لقد لاحظ والدي أنني أظهر تفوقا في عدد معين من الأمور، وخاصة في الموسيقى. غير أنه ابتداء من سن الحادية عشرة، منعني من الاقتراب من أية آلة موسيقية. وحين سألته عن السبب، أجابني بأنه «لو تركتك تهتم بالفن، فسوف يحجب عنك ذلك الفن الذي أريده لك، وهو فن الحكم». غير أن ذلك لم يمنع الحسن الثاني من البقاء طوال حياته عاشقا للفن وحبا له. في التاسع من يوليوز 1941، وهو في سن الثانية عشرة، سوف يحصل الحسن الثاني على شهادة الدراسات الابتدائية. وهو النجاح الذي جاء بضعة أشهر قبل افتتاح المدرسة المولوية بالرباط في 20 يناير من سنة 1942. في الحلقة القادمة:حين تكتّم الحسن الثاني عن لقاء آنفا