فجر تصويت برلمانيي حزب العدالة والتنمية على مشروع القانون الإطار 17.51 المتعلق بمنظومة التربية والتعليم بلجنة التعليم والثقافة والاتصال بالامتناع، (فجر) صراعا حاميا بين أعضاء الحزب الإسلامي. وانقسم أعضاء حزب العدالة والتنمية إلى تيارين اثنين: تيار موال للحكومة يعتبر التصويت على هذا القانون بهذه الطريقة أمرا إيجابيا، وتيار معارض للحكومة صوت على القانون « مضغوطا ومكرها »، في الوقت الذي استطاع فيه برلمانيان اثنان التعبير ب »شجاعة » عن رفضهما للقانون، ويتعلق الأمر بكل من محمد العثماني والمقرئ أبو زيد. وتعقد الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، في هذه اللحظات، اجتماعا مع النواب البرلمانيين للحزب، من أجل الاتفاق على قرار موحد خلال التصويت على القانون الإطار، خصوصا بعد خروج عبد الإله بنكيران، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، الذي انتقد تصويت الحزب « لصالح » القانون، وإن كان البرلمانيون اختاروا الامتناع عن التصويت. وأبرز الخروج « المتوقع » لبنكيران، في فيديو نشره على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي « فيسبوك »، بالملوس، مدى توتر العلاقات بين أعضاء الحزب، خصوصا حين أعلن الأمين العام السابق أن الحزب « فقد الأسس التي بني عليها بتصويته على قانون يفضل اللغة الفرنسية على العربية، وينتهك الدستور الذي يقر بكون الأخيرة اللغة الرسمية الأولى للبلاد ». وكان فيديو بنكيران بمثابة النقطة التي أفاضت كأس توتر العلاقات بين أعضاء حزب العدالة والتنمية، خصوصا حينما هدد بالانسحاب من الحزب، وأنه « لا يشرفه الانتماء إلى حزب يصوت لقانون يتنافى ومبادئه وتصوراته »، وفق تعبيره. وبمجرد انتهاء « لايف » بنكيران، حتى عبر مجموعة من أعضاء الحزب عن استيائهم، خصوصا منهم إدريس الأزمي الإدريسي، رئيس الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية، الذي قرر تقديم استقالته من منصبه على رأس برمانيي « البيجيدي »، ربما كشكل من أشكل الاستنكار على ما قاله بنكيران في « الفيديو »، خصوصا حين أعلن أن تصويت الحزب على القانون الإطار « جاء بإيعاز من الدولة، والحزب يعاني من ضغطات تدفعه لاتخاذ مثل هذه القرارات ». وليست هي المرة الأولى التي يصرح فيها عضو في حزب العدالة والتنمية بأن الحزب مضغوط للتصويت من أجل « فرنسة التعليم »، فقد أكد عبد العزيز أفتاتي، عضو الأمانة العامة للحزب الإسلامي، أن القبول بهذا القانون في شكل الامتناع عن التصويت جاء جراء « ضغط الدولة، وما للبرلمانيين في هذا الظرف إلا الخضوع والانصياع »، وفق تعبيره. في ظل هذا الأخذ والرد، خرج الأمين العام للحزب، ورئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، يستنكر خرجة بنكيران، مبرزا أن الحزب « هو حزب مؤسسات وليس حزب أفراد »، كما وجه كلاما قاسيا للأمين العام السابق حين قال إن الحزب يتعرض لحملات تبخيس وتيئيس، وأن أعضاءه سيتصدون لكل ما من شأنه أن يسيء لسمعته، « خصوصا وأن حزبنا متشبت بمبادئه ولن يتنازل عنها ». وفي الوقت نفسه، نشرت المواقع الإسلامية الموالية لحزب العدالة والتنمية، بلاغا مجهول التوقيع، على شكل نداء، أبرز فيه أعضاء من الحزب أن هذا الأخير « يسوده الشعور بالتيه وفقدان البوصلة »، وكان قد استمد قوته من « وضوح خطه السياسي القائم على الانتصار للاختيار الديمقراطي وتكريس الإرادة العامة والوفاء لمعاني التمثيلية »، في إشارة إلى أن قرار الحزب بالتصويت للقانون الإطار فيه شيء من التخلي عن المبادئ التي يقوم عليها، بعد أن سار الحزب « نحو المأسسة »، على حد قولهم وطالب أعضاء العدالة والتنمية، في ندائهم، قيادة الحزب ل »وقف مركزة القرار بل وشخصنته، والانصات لنبض المناضلين ونبض الشارع الذي احتضن الحزب ودافع عنه منذ تأسيسه رغم المعارك الشرسة التي قادها الخصوم ضده، مع الانتباه إلى أن للمناضلين وعموم المواطنين قدرة على فهم الاكراهات وتفهم التنازلات حينما يمكن تبريرها على أن تكون مصحوبة بقرارات تخلق التوازن المطلوب بين الاقدام والإحجام، وفاء لمنطق التدافع بدل الاستسلام ثم الاجتهاد في تبرير الاستسلام ثم قمع من يرفضون التسليم بالاستسلام كخيار واحد ووحيد ». في اتصال مع موقع « فبراير » للتعليق على الأزمة لتي يتخبط فيها « البيجيدي » حاليا، قال المحلل السياسي، محمد بودن، أن هذه المعارك بين أعضاء الحزب ليست جديدة، « فيمكن ملاحظة حرب كسر العظام بين تيارين اثنين، تيار العثماني المكون من الوزراء وبرلمانيي الحزب، وتيار بنكيران الذي لا يقتنع بالعثماني كأمين عام، ويعتبر بنكيران هو صاحب الأفضال الكبيرة على الحزب »، على حد قوله. وأبرز بودن أن « الصراع بين تياري الحزب تشكل منذ تولي العثماني منصب الأمين العام للحزب خلفا لبنكيران، إلا أن معطيات كهذه لم تكن معروفة ولم تخرج إلى الواجهة، حيث كان يتم تسوية الخلافات الداخلية واحتواؤها، إلا أن الأمر الآن أصبح في منتهى الصعوبة »، حسب تعبير المحلل السياسي. وأضاف يقول: « هناك شد وجذب بين تيار العثماني وبنكيران، وفي ظل هذه المشاكل، العثماني لم يعد يهتم بالحزب كثيرا، وأصبح أشد حرصا على الحكومة واستمرارها أكثر من الحزب، في الوقت الذي يفكر بنكيران في حزبه الذي له رصيد كبير فيه وفضل في بنائه، كما يرى أنه تعرض لخديعة كبرى بعد إعفائه من منصب رئيس الحكومة، وهو الآن يبحث عن الفرصة للعودة إلى الساحة واستعادة الأمجاد والخروج من العزلة السياسية، ما يفسر خرجاته المتكررة على مواقع التواصل الاجتماعي ». وتظهر أزمة الحزب، حسب المحلل السياسي ذاته، في مجموعة من الأشكال والصور المختلفة، وعلى رأسها موقف أعضاء الحزب من مشروع القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتعليم، يقول: « أعضاء الحزب أصبحوا يجدون صعوبة في مناقشة القضايا الكبرى بسبب اختلاف في الرؤى، لكنه يحاولون ما أمكن إظهار التوافق، ومن الصعب تدبير هذه المحطة التي ستكلف الحزب الكبير على مستوى رصيده ومستقبله الانتخابي ». وعن اجتماع الأمانة العامة اليوم ببرلمانييها، أكد بودن أن في الأمر محاولة للاتفاق حول قرارات موحدة، مبرزا أن اجتماع « البيجيدي » قبل الجلسة العامة للتصويت على مشروع قانو الإطار أمر عادي، « ولا أعتقد أن خرجة بنكيران قد تؤثر في الموضوع، وإذا تم ذلك فعلى العثماني ووزرائه أن يقدموا استقالتهم من الحكومة »، على حد قوله. وختم بودن تصريحه بالقول إن الحكومة « تريد التصويت لصالح القانون الإطار، لكونها تحاول تلطيفه وتجعل مقتضياته الخلافية مقبولة لدى البرلمانيين، لكن إذا رفضه البرلمانيون يعني أن موقف بنكيران قد انتصر، وسنعرف عندها من الأقوى داخل الحزب، ومن الخاسر ومن المستفيد »، حسب المحلل السياسي.