بعد خمس سنوات من ظهوره الأول، ونحو شهر من انتهاء « الخلافة » التي أعلنها عام 2014، ظهر زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي للمرة الأولى الاثنين، بحسب فيديو دعائي نشره التنظيم المتطرف عبر تطبيق « تلغرام ». وبالتالي، فإن البغدادي يكون قد سجل ظهورين في تاريخه، الأول لإعلان « الخلافة »، والثاني بعد انتهائها. وفي الفيديو الذي يحمل عنوان « في ضيافة أمير المؤمنين »، يظهر البغدادي بلحية طويلة بيضاء ومحناة الأطراف، واضعا منديلا أسود على رأسه، ويفترش الأرض إلى جانب آخرين أخفيت وجوههم، ومتحدثا بنبرة بطيئة. وهذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها البغدادي، بعد ظهوره العلني في يوليوز 2014 اثناء الصلاة في جامع النوري الكبير في غرب الموصل، حين أعلن « الخلافة » وقدم ك »أمير المؤمنين ». وليس واضحا تاريخ تصوير الفيديو، غير أن البغدادي يقول في بدايته إن « معركة الباغوز انتهت »، في إشارة إلى طرد التنظيم من آخر جيوبه في شرق سوريا قبل ما يقارب الشهر، ويتطرق أيضا إلى الاعتداءات الأخيرة في سريلانكا. وخسر أبو بكر البغدادي المدرج في رأس قائمة كبار المطلوبين في العالم، دولة « الخلافة » التي أقامها لأكثر من ثلاث سنوات، وبات اليوم يختبئ في كهوف الصحراء السورية، بحسب محللين. وبعدما كان يتحكم في وقت ما بمصير سبعة ملايين شخص على امتداد أراض شاسعة في سوريا وما يقارب ثلث مساحة العراق، لا يقود البغدادي اليوم إلا مقاتلين مشتتين عاجزين بأنفسهم عن معرفة مكان وجوده. وإذ يشدد البغدادي في الفيديو الاثنين على أن « الله أمرنا بالجهاد ولم يأمرنا بالنصر »، يؤكد أن الاعتداءات الأخيرة التي استهدفت سريلانكا في عيد الفصح وتبناها تنظيم الدولة الإسلامية جاءت « ثأرا » للباغوز. ويصر البغدادي على أن « معركة الإسلام وأهله، مع الصليب وأهله، معركة طويلة (…) وسيكون بعد هذه المعركة ما بعدها ». وقال إن مقاتلي التنظيم المتطرف الذي مني بهزائهم عسكرية متتالية على مدى السنتين الماضيتين « سيأخذون بثأرهم ». وإضافة إلى موقع « سايت » المختص بشؤون الجهاديين، أكد خبير الحركات الجهادية هشام الهاشمي لوكالة فرانس برس أن البغدادي هو من ظهر في الفيديو. وأشار الهاشمي إلى « نفس مخارج الحروف ونفس الشكل الذي لم يتغير ». ولفت إلى « ثقل في حركة يده اليمنى وعدم التفاته إلى اليمين، ما يؤكد ما نشر في 2016 بأنه أصيب في يده اليمنى ». لكن التحالف الدولي أوضح لفرانس برس أنه ما زال يحاول التأكد من صحة الفيديو. وسرت شائعات كثيرة لم يتم تأكيدها عن مقتل « الخليفة » البالغ من العمر 47 عاما، والذي ترصد الولاياتالمتحدة مكافأة قدرها 25 مليون دولار لمن يساعد في الوصول إليه. ونجا « الخليفة » من هجمات جوية عدة وأصيب مرة واحدة على الأقل، بحسب تقارير إستخبارية، ومراقبين يؤكدون أيضا إصابته بمرض السكري. وأعلنت الاستخبارات العراقية في مطلع تموز/يوليو الماضي، مقتل نجل البغدادي حذيفة البدري في سوريا بثلاثة صواريخ موجهة روسية أصابت المغارة التي كان بداخلها. وقد أكدت وكالة أعماق التابعة للتنظيم وقتها مقتله. وولد البغدادي في العام 1971 لعائلة فقيرة في مدينة سامراء شمال بغداد. وهو متزوج من امرأتين، أنجب أربعة أطفال من الأولى وطفلا من الثانية. ووصفته إحدى زوجتيه بأنه « رب عائلة طبيعي ». وكان دخوله إلى سجن بوكا الواقع على بعد عشرات الكيلومترات من الحدود العراقية الكويتية، نقطة حاسمة في حياته. فقد اعتقل البغدادي الذي كان شكل لدى اجتياح العراق في العام 2003 مجموعة جهادية ذات تأثير محدود، في فبراير 2004، وأودع سجن بوكا الذي كان يؤوي أكثر من 20 ألف معتقل. وكان السجن يضم معتقلين من قادة حزب البعث في عهد صدام حسين وجهاديين سنة، وتحول في ما بعد الى « جامعة الجهاد ». وقد أدرك الجيش العراقي بعد عشر سنوات أنه يواجه قادته السابقين من حقبة النظام السابق والذين انتقلوا الى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية. بعد إطلاق سراحه في دجنبر 2004 لعدم وجود أدلة كافية ضده، بايع البغدادي أبو مصعب الزرقاوي الذي كان يقود مجموعة من المقاتلين السنة تابعة لتنظيم القاعدة. لكن تبين أن هذا الأمر لم يكن صحيحا، بما أن البغدادي تسلم مسؤولية « دولة العراق الإسلامية » في ماي 2010، بعد مقتل زعيمها أبو عمر البغدادي ومساعده أبو أيوب المصري في غارة جوية عند الحدود السورية العراقية. وتمكن البغدادي بعد ذلك من تعزيز موقع الجهاديين في العراق. وتحت قيادته، أعادت هذه المجموعة تنظيم صفوفها، وتحولت في العام 2013 إلى تنظيم « الدولة الاسلامية في العراق والشام »، بعدما استغل الجهاديون النزاع في سوريا المجاورة، قبل أن يشنوا هجومهم الواسع في العراق في السنة التالية.