احتفل الجزائريون باستقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعد أن أمضى نحو عشرين عاما في الحكم، متعه دين مواصلة الاحتجاجات للمطالبة بتغيير جذري للنظام السياسي. وق دم بوتفليقة استقالته الثلاثاء تحت ضغط الشارع وإثر تخلي الجيش عنه، وقد أوردت وسائل الإعلام الجزائرية مساء الثلاثاء أن بوتفليقة أبلغ المجلس الدستوري باستقالته « ابتداء من تاريخ اليوم ». واجتمع المجلس الدستوري الأربعاء لإثبات « حالة خلو » منصب الرئيس تمهيدا لتولي رئيس مجلس الأمة الرئاسة مؤقتا وتنظيم انتخابات رئاسية. وأطلقت على الفور أبواق السيارات في شوارع العاصمة ترحيبا باستقالة الرئيس الذي اختفى تقريبا عن الإعلام منذ عام 2013 إثر اصابته بجلطة دماغية. لكن كثرا أكدوا مواصلة الاحتجاجات ورفضهم لأي عملية انتقالية تبقي السلطة بيد « النظام ». وقالت متظاهرة إنها تريد لابنتها أن تتذكر هذا اليوم التاريخي. مؤكدة أن رحيل بوتفليقة ليس نهاية المطاف. ووصف آخر الاستقالة بأنها متأخرة جدا، وقال إن رحيل بوتفليقة لم يعد كافيا نريدهم أن يرحلوا جميعا. نريد الحرية كاملة، مؤكدا أن المسيرات لن تتوقف. وقال آخرون « إنها البداية، كل يوم، ستكون هناك تظاهرة. لن نتوقف ». في المقابل، أعطى غيره بوتفليقة حقه، معبرين عن أسفهم لتشبثه بالحكم. وقال بيلان ابراهيم (40 عاما) « بوتفليقة اشتغل. لقد صوتت له في البداية، لكنه لم يعرف كيف يخرج مرفوع الرأس ». وكانت الجزائر قبل الأزمة السياسية الأخيرة بمنأى عن تداعيات « الربيع العربي » الذي أسقط الرئيس السابق زين العابدين بن علي والزعيم السابق معم ر القذافي في تونس وليبيا المجاورتين. لكن قرار ترشيح بوتفليقة في فبراير الماضي لولاية (عهدة) رئاسية خامسة أثار نقمة شعبية بخاصة في صفوف الشباب. وبعد أن أعلن تخليه عن الترشح لولاية خامسة، أعلن إرجاء الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في الثامن عشر من أبريل ووعد بإقرار إصلاحات تمهد لإجراء انتخابات رئاسية لم يحدد تاريخا لها. لكن الشارع رفض تماما هذه الاقتراحات واعتبرها تمديدا لولايته بحكم الأمر الواقع. وكانت الرئاسة الجزائرية أصدرت بيانا الإثنين جاء فيه أن بوتفليقة سيتنحى قبل انتهاء مدة ولايته الحالية في الثامن والعشرين من أبريل. وليل الثلاثاء جاء في الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام وبينها التلفزيون الوطني ووكالة الأنباء الجزائرية الرسمية أن بوتفليقة « أخطر رسميا رئيس المجلس الدستوري بقراره إنهاء عهدته بصفته رئيسا للجمهورية » وذلك « ابتداء من تاريخ اليوم ». وجاء في نص الرسالة التي نشرتها وكالة الأنباء الجزائرية « إن قصدي من ات خاذي هذا القرار إيمان ا واحتساب ا، هو الإسهام في تهدئة نفوس مواطني وعقولهم لكي يتأت ى لهم الانتقال جماعي ا بالجزائر إلى المستقبل الأفضل الذي يطمحون إليه طموح ا مشروع ا ». وأظهرت مقتطفات مصورة بوتفليقة جالسا على كرسي نقال يسل م كتاب استقالته إلى رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز. في ردود الفعل الخارجية، اعتبرت الولاياتالمتحدة أن مستقبل الجزائر يقر ره شعبها. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية روبرت بالادينو إن « الشعب الجزائري هو من يقرر كيفية إدارة هذه الفترة الانتقالية ». من جهته دعا الكرملين الأربعاء إلى عملية انتقالية سياسية في الجزائر من « دون أي تدخل » خارجي. وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان أن فرنسا واثقة من أن الجزائريين سي واصلون السعي إلى « انتقال ديموقراطي ». وقال في بيان « نحن واثقون من قدرة الجزائريين على مواصلة هذا التحو ل الديموقراطي بنفس روح الهدوء والمسؤولية » التي سادت خلال الأسابيع الفائتة. وبموجب الدستور الجزائري، يتولى رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح (77 عاما) رئاسة البلاد بالوكالة لمدة أقصاها 90 يوما تجري خلالها انتخابات رئاسية. وقبل ساعات قليلة من إعلان الاستقالة، دعا رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح في بيان الى « التطبيق الفوري للحل الدستوري » الذي يتيح عزل بوتفليقة. وكان يشير الى المخرج الدستوري الذي اقترحه الأسبوع الماضي ويتمثل في تطبيق المادة 102 من الدستور التي تؤدي الى إعلان عجز رئيس الجمهورية عن ممارسة مهامه بسبب المرض. وقال الفريق قايد صالح إن المساعي التي يبذلها الجيش « تؤكد أن طموحه الوحيد هو ضمان أمن واستقرار البلاد وحماية الشعب من العصابة التي استولت بغير حق على مقدرات الشعب الجزائري ». وكان قايد صالح ي عتبر من المخلصين لبوتفليقة. وشكل بوتفليقة قد شك ل الأحد حكومة جديدة برئاسة نور الدين بدوي غالبية وزرائها من التكنوقراط. وقد ضم ت وزراء من الحكومة السابقة لا سيما الفريق صالح الرجل الثاني في ترتيب المراسم البروتوكولية، كما ضم ت الشقيق الاصغر للرئيس ومستشاره الخاص السعيد بوتفليقة، الذي كان يعتبر وريثه المحتمل في الرئاسة. وكان نفوذ السعيد بوتفليقة تزايد في الآونة الأخيرة مع تدهور صحة شقيقه، لكن الاستقالة قد تحرمه هذا النفوذ.