اتصلت « فبراير.كوم » بالعلامة السيد أحمد الخمليشي، مدير دار الحديث الحسنية، استفسارا عن الفتوى التي أطلقها بعض من المنتمين للأزهر في مصر، مفتين ببطلان صيام المغاربة وعيدهم الأضحى، فتحداهم وهو يعود إلى فتاوى صدرت باسم المؤسسات الرسمية للفتوى في كل من جمهورية مصر العربية، والمملكة العربية السعودية، وتكذب ما يزعمون. ولهذا يصل في خلاصة مقاله الذي خص به « فبراير.كوم » وهو يقدم البرهان تلو الآخر، إلى أننا أمام « هوس الفتوى القاذفة بشواظ من نار ». أطلق عدد من المنتمين إلى الأزهر في جمهورية مصر العربية العنان لأقلامهم ليصدروا باسم الإسلام أحكاما قاسية وجارحة ضد المغرب الذي اعتمد الرؤية في تحديد يوم عيد الأضحى. وممن ساهم في إصدار هذه الأحكام: الأستاذ الدكتور عيد يوسف أمين عام الفتوى بجامع الأزهر الذي قال: ان احتفال المغرب اليوم (5/10/14) بأول عيد الأضحى غير جائز شرعا لأنه يخالف ما اعتاده المسلمون ويخرقون الاجماع، وانه يجب على أهل المغرب أن يخضعوا في وقفة عرفة وأول أيام عيد الأضحى للسعودية، وانه من المفترض أن يأخذوا بالحساب الفلكي للسعودية أولى من انتظارهم رؤية الهلال ... منوها بأن هذا الأمر خرق لإجماع المسلمين وغير جائز ومؤكدا ان ما بني على رؤيتهم غير صحيح ... والاستاذ الدكتور و"المفكر" الاسلامي محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية الذي أكد ان احتفال المغرب يوم 5 أكتوبر بأول أيام عيد الأضحى ليس له أي سند شرعي، لأن الاحتفال بالعيد يكون وفقا لرؤية المملكة العربية السعودية للهلال، وان احتفال المغرب اليوم بالعيد شيء غريب وغير مبرر، وتفسير للاسلام وفقا لهواه وانه بذلك خلق انشقاقا بين المسلمين. وأضافت الأستاذة الدكتوراه إلهام شاهين أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر ان احتفال المغرب يوم 5 أكتوبر بأول أيام عيد الأضحى جهل بتعاليم الدين ويخلق نوعا من الانشقاق بين مسلمي العالم جميعا معللة سلوك المغرب بانتشار العلمانية فيه، وكلما انتشرت العلمانية في بلد زاد فيه الجهل وعدم الاعتراف بالدين الحنيف وتعاليمه السمحة مؤكدة انه يجب على كل البلاد الإسلامية الاتفاق مع السعودية في الاحتفال بعيد الأضحى المبارك. وتابعت الأستاذة الدكتوراه بإصدار حكمها الجازم والصارم وهو ان صيام المغاربة يوم 4 أكتوبر باطل لأنهم صاموا في أول أيام عيد وهو منهي عنه في الدين ... قال السادة "المفتون" الثلاثة باسم الإسلام: ان الحساب الفلكي للمملكة العربية السعودية حسب أمين عام الفتوى بجامع الأزهر أو رؤية الهلال في المملكة وفق عضو مجمع البحوث الإسلامية هو الذي يربط الإسلام به بداية ونهاية الشهر القمري، وهو ما يجمع عليه المسلمون ويسيرون عليه في مشارق الأرض ومغاربها إلى أن خرج المغرب عن إجماعهم وخلق انشقاقا بينهم هذه السنة ادعاء غريب، بل فيه أكثر من الغرابة ... نعم هو قول أكثر من غريب، ولا نود ذكر الوصف الذي يستحقه. فقط نتحدى الدكاترة المفتين أن يحددوا لنا شهرا قمريا واحدا أو عيدا واحدا تم فيه "إجماع" المسلمين، على اعتماد الرؤية أو الحساب الفلكي المعلن في المملكة العربية السعودية. بل كم من رمضان وعيد اختلفت مواعدهما بين مصر والمملكة العربية السعودية؟ بينوا لنا السند الذي تعتمدون، والواقع الخيالي الذي تحقق فيه "الاجماع" المزعوم إلى أن خرج عنه المغرب وخرقه عام 2014؟ عندما يصل الأمر إلى قلب حقائق الواقع المحسوس، يصبح الحوار عبثا لا فائدة من الاستمرار فيه ... لذلك أكتفي بتذكير الدكاترة المفتين بأن المؤسسات الرسمية للفتوى في كل من جمهورية مصر العربية، والمملكة العربية السعودية تكذب ما يزعمون، وترى اعتماد الرؤية بالنسبة لكل أهل بلد. () ففي مصر صدرت فتوى دار الافتاء في ربيع الثاني عام 1320 (يوليوز 1902) ومصدر الفتوى الشيخ محمد عبده ومما جاء فيها: " المقرر شرعا أول الشهر إنما يعرف برؤية الهلال، ويثبت ذلك بالشهادة المعروفة عند أهل الشرع، لا فرق في ذلك بين رمضان وشوال وغيرهما، أما العمل بالحساب ففيه خلاف بين علماء بعض المذاهب، والمعول عليه انه لا يلتفت إلى الحساب، لأن أحكام الدين الاسلامي مبنية على الأسهل والأيسر للناس في أي قطر كانوا وأي بقعة وجدوا " (الفتوى أعاد نشرها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية في مصر في سلسلة الفتاوى الإسلامية من دار الإفتاء المصرية المجلد الرابع ص. 1553 عام 1400/1980) ونشر مهع الفتوى المبدأ الآتي: " ثبوت رؤية الهلال في معرفة أوائل الشهور العربية إنما يكون بالشهادة شرعا ولا يعول على الحساب في ذلك ". وفي المملكة العربية السعودية، أصدر مجمع الفقه الاسلامي التابع لرابطة العالم الاسلامي السعودية فتوى في الموضوع ورد فيها: " لقد درس المجمع الفقهي الاسلامي مسألة اختلاف المطالع في بناء الرؤية عليها، فرأى ان الإسلام بني على أنه دين يسر وسماحة تقبله الفطرة السليمة، والعقول المستقيمة لموافقته للمصالح، ففي مسألة الأهلة، ذهب إلى إثباتها بالرؤية البصرية، لا على اعتمادها على الحساب كما تشهد به الأدلة الشرعية القاطعة، كما ذهب إلى اختلاف المطالع لما في ذلك من التخفيف على المكلفين، مع كونه هو الذي يقتضيه النظر الصحيح، فما يدعيه القائلون من وجوب الاتحاد في يومي الصوم والإفطار مخالف لما جاء شرعا وعقلا ... وقد قرر العلماء من كل المذاهب، ان اختلاف المطالع هو المعتبر عند كثير. فقد روى ابن عبد البر الإجماع على ألا تراعى الرؤية فيما تباعد من البلدان كخراسان من الأندلس، ولكل بلد حكم يخصه، وكثير من كتب أهل المذاهب الأربعة طافحة بذكر اعتبار اختلاف المطالع للأدلة القائمة من الشريعة بذلك، وتطالعك الكتب الفقهية بما يشفي الغليل " ثم جاء في منطوق القرار: " قرر مجلس المجمع الفقهي الاسلامي: انه لا حاجة إلى الدعوة إلى توحيد الأهلة والأعياد في العالم الاسلامي ... " القرار صدر عن الدورة الرابعة المنعقدة من 7 إلى 17 ربيع الثاني 1401ه. ومنشور ضمن قرارات المجمع الصادرة بين 1397 1419ه. ص. 63. إذا كانت الفتوى الرسمية في جمهورية مصر العربية وفي المملكة العربية السعودية تتبنى اعتماد الرؤية المحلية. وإذا كان الواقع الذي تسير عليه الدول والجاليات الإسلامية هو الاستقلال عن طريق الرؤية أو الحساب في بداية ونهاية الشهور القمرية، وبالتبعية أيام الأعياد، وذلك بصرف النظر عن آرائنا الشخصية في الموضوع. وإذا كان المغرب في هذه السنة مثل السنوات الماضية اعتمد الرؤية المحلية، ويتوافق في ذلك مع دول إسلامية ويختلف مع أخرى. وإذا كانت جمهورية مصر العربية طيلة عشرات السنوات الماضية، تعلن عن بداية ونهاية الشهور القمرية عن طريق مؤسساتها الرسمية، وتوافقت في ذلك مع المملكة العربية السعودية أحيانا، واختلفت معها أحيانا أخرى. وطيلة تلك السنوات لم نسمع من هؤلاء المفتين دعوة جهارا وحتى همسا، إلى الالتزام بالرؤية أو بالحساب الفلكي في المملكة العربية السعودية، وإذا ظهر السبب بطل العجب ... ألم يان للمرضى بهوس الفتوى شغفا بالشهرة المزيفة أو تشبثا بالوصاية غير الشرعية على الأمة أن يراجعوا سلوكهم بعدما أوصلت فتاويهم العالم الاسلامي إلى هذا الوضع الانتحاري الذي لم يكن يتصوره أحد قبل بضع سنوات؟. كفى من الفتاوى الجارحة، الدكتوراه إلهام شاهين هل دينك الاسلامي يسمح لك بوصف المغاربة بالجهل بتعاليم الدين وبانتشار العلمانية فيهم، وبأنهم لا يعترفون بالدين الحنيف وبتعالميه؟ وهل عقيدة الإسلام الصحيحة، هي التي أوصلتك إلى الحكم ببطلان المغاربة يوم تاسع ذي الحجة؟ و..... و..... الرباط في 12 ذي الحجة 1435. 7 أكتوبر 2014. أحمد الخمليشي