شهد المغرب أول أمس، أحكاما قضائية « ثقيلة »، بينها السجن عشرين عاما، بحق القائد الميداني ل »حراك الريف » وأكثر من خمسين ناشطا آخرين. هذه الأحكام أعادت ملف الحراك الاحتجاجي إلى واجهة الأحداث السياسية في المملكة، بعد أكثر من عام ونصف على انطلاقه، في انتظار « مخرج سياسي » لقضية أججتها أحكام قضائية. وأصدرت محكمة الاستئناف في مدينة الدارالبيضاء حكما بالسجن عشرين عاما بحق القائد الميداني ل »حراك الريف »، ناصر الزفزافي، وثلاثة نشطاء آخرين. المحكمة أصدرت أيضا أحكاما بالسجن تتراوح بين سنة واحدة مع إيقاف التنفيذ و10 سنوات سجنا نافذا بحق أكثر من خمسين ناشطا آخرين. وأدانت المحكمة هؤلاء المعتقلين بتهم بينها: « المس بالسلامة الداخلية للمملكة ». وشهدت منطقة الريف شمالي المغرب، على مدار أكثر من عام ونصف، احتجاجات تطالب، وفق المحتيجن، السلطات بتنمية المنطقة وإنهاء تهميشها ومحاربة الفساد. الأحكام القضائية حسب وكالة الأناضول أثارت صدمة عبرت عنها تصريحات نشطاء وتدوينات لرواد على مواقع التواصل الاجتماعي وأحاديث مواطنين، في ظل حالة من الاستنكار والغضب الكبيرين. وقال أحمد الهايج، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (أكبر منظمة حقوقية بالمغرب)، للأناضول، إن هذه الأحكام « صادمة ومخيبة للأمال ». وتابع أن « الأحكام صدمت كل الرأي العام، وخصوصا الرأي العام الحقوقي، الذي طالب منذ البداية بإطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، وإسقاط كل التهم عنهم ». واعتبر الهايج أنه « غلب على القضية الطابع الأمني والهاجس السياسي أكثر من إحقاق العدالة وإنصاف المعتقلين أو المجتمع.. هذه الأحكام تثبت أننا لم نكن أمام قضاء نزيه ومستقل ». ورأى عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاضي عياض بمراكش ، أنه يوجد « شبه اتفاق » على أن الأحكام « قاسية جدا ولم تكن متوقعة ». وأضاف العلام، للأناضول، أن « مثل هذه الأحكام لم يعرفها المغرب منذ ما يعرف بسنوات الرصاص والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وبعض قضايا الإرهاب ». فيما قال وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، مصطفى الرميد، في تصريحات صحفية، إن الأحكام « يظهر أنها لم تحظ بالاستحسان العام ». لكن الهايج اعتبر أنه « من غير المقبول أن يحكم بهذه الأحكام الخيالية على مواطنين خرجوا للتظاهر السلمي والتعبير عن مطالب يقر الجميع أنها مشروعة ». ورأى أن « الحل الوحيد لهذه القضية هو إطلاق سراح هؤلاء النشطاء، وإسقاط المتابعة القضائية بحقهم.. هذا الموقف تجمع عليه كل الحركة الحقوقية بالمغرب ». بالمقابل، رأى محامي الدولة في ملف « حراك الريف »، محمد الحسني كروط، أن « الأحكام لم تكن ثقيلة، بل مخففة جدا، بالنظر إلى تعدد الجرائم المرتكبة من هؤلاء المعتقلين ». وتابع كروط أن « المحكمة كانت رحيمة جدا بالزفزافي ورفاقه، لأن التهم كانت تتطلب المؤبد والإعدام ». إذا كانت هذه الأحكام، التي وصفت ب »الثقيلة » و »القاسية »، أثارت الكثير من الاستهجان، فإنها حملت معها كثيرا من الرسائل السياسية، وفق محللين سياسيين. وقال المحلل السياسي، الخبير في الدراسات الأمنية، محمد شقير، للأناضول إن أولى الرسائل هي « إظهار قبضة الدولة، لردع أي حراك مستقبلي، وإظهار أن رد السلطة في هذه المسألة يكون عنيفا ». والرسالة الثانية، وفق شقير، هي أن « الأحكام جاءت بعد حوالي عام من المحاكمة.. من بداية المحاكمة إلى إصدار الأحكام لعبت السلطة دورا كبيرا للتمهيد لهذا الحكم بإسكات الرأي العام، والعمل على تخفيف حدة التوتر، لإظهار أن المحاكمة تتم في إطار دولة الحق والقانون ». أما الرسالة الثالثة، فهي أن « إدانة الزفزافي بالأضرار برجال الأمن غرضه بعث رسالة مفادها أن أي تعرض لرجال الأمن هو مس بهيبة الدولة والرد يكون بلحكام ثقيلة.. الحكم هو محاولة للحفاظ على هيبة الدولة ». بدوره قال الأكاديمي عبد الرحيم العلام إن الهدف هو « بعث رسائل مفادها أن طريق الاحتجاج والمطالبة بتحسين العيش ليس محفوفا دائما بالبراءة، وأن من يفكر في الاحتجاج يجب عليه أن يفكر أن أمامه تهما متنوعة، منها المس بالسلامة الداخلية للمملكة والاعتداء على موظفين عموميين ». وحذر العلام من السقوط في عدم الاستقرار في منطقة الريف، وقال إن « عدم الاستقرار سيكون سيد نفسه، في المنطقة بعد هذه الأحكام ». ورأى أن « ضرر هذه الأحكام سيتجاوز الداخل إلى الخارج، مما سيؤثر على جاذبية البلاد للاستثمار الخارجي ». وتابع أن « صورة المغرب في الخارج ستتضرر كثيرا جدا، وسيتراجع المغرب على مستوى التصنيف في احترام حقوق الإنسان، ما يؤدي إلى تراجع فرص الاستثمار الأجنبي ». كما « سيؤثر الأمر سلبا على تعاطي الدول والمنظمات الدولية مع مجموعة من القضايا المصيرية للمغرب، مثل قضية الصحراء وتنظيم مناسبات عالمية بالمغرب، مثل المونديال (الخاص بكرة القدم) أو غيره »، بحسب العلام. وتابع أن « مثل هذه الأحكام تؤثر على الصورة التي حاولت الدولة، منذ اعتلاء الملك محمد السادس الحكم (1999)، تسويقها، من خلال شعارات (العهد الجديد) و(المفهوم الجديد للسلطة) و(استقلالية السلطة القضائية).. هذه الصورة ستُخدش، بعدما كان الملك قد باشر عملية مصالحة مهمة مع منطقة الريف ». واعتبر أن « الصورة اليوم ليست في صالح المصالحة ولا تسويق أي صورة إيجابية عن السلطة ». إذا كان الطعن في الحكم واستئنافه في محكمة أعلى هو من الحقوق المكفولة للمحكوم بحقم، وهو ما أعلن عنه دفاع النشطاء، فثمة « مخارج سياسة » يمكن أن تطوي هذا الملف، سواء خلال المحاكمة أو بعدها، وهي العفو الملكي. وقال وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، في تصريحات صحفية، إن « القضية سيعاد مناقشتها أمام غرفة الجنايات الاستئافية، التي تتكون من خمسة قضاة ». وأضاف الرميد أن هؤلاء القضاة الخمسة « يفترض فيهم الكفاءة والتجربة، التي تتجاوز ما لدى زملائهم في المرحلة الابتدائية ». وأردف: « أملي كبير في أن تصدر أحكام أكثر عدالة تكرس الثقة في القضاء وتؤسس لمصالحة جديدة مع سكان المنطقة ». واعتبر الحقوقي محمد شقير أنه توجد « نافذة مفتوحة على إمكانية إعادة النظر في هذه الأحكام بإصدار عفو ملكي ». ورأى أن « الرسالة الأهم للدولة هي أن المحاكمة مرت في إطار دولة الحق والقانون، ومرت أمام الرأي العام الدولي والمحلي، وأنه تم تمكين المتهمين من حقوق المحاكمة، وبعدها يمكن سلك مسالك أخرى لإعادة النظر في الأحكام، سواء عبر الاستئناف أو العفو الملكي ». فيما رأى عبد الرحيم العلام أنه « يمكن تخفيض مدة العقوبة في الاستئناف وحتى الحكم ببراءة البعض.. ما تزال توجد فرصة لتصحيح الوضع من طرف الملك عبر عفو ملكي ». واعتبر أنه « حتى إذا لم يكن هناك عفو ملكي فالتطورات السياسية قد تعجل بالعفو عنهم، كما حصل مع بعض من أطلق سراحهم بعد احتجاجات 20 فبراير (شباط) 2011، رغم أنهم كانوا محكوما بحقهم بالسجن عشرين عاما في قضايا إرهاب ». وختم العلام بقوله: « من غير المتوقع أن يقضي هؤلاء كامل المدة المحكوم عليهم بها في السجن ».