أبرم محمد بوسعيد وزير الاقتصاد والمالية اتفاقا مع صندوق التنمية السعودي، حصل بموجبه على 500 مليون دولار، وذلك من أجل دعم الميزانية. وحسب المرسوم الذي وقعه سعد الدين العثماني بصفته رئيسا للحكوم، فإن القرض يهدف دعم الموازنة العامة، فماذا تعني الموازنة العامة؟ بلغة الاقتصاد، الموازنة العامة لا تعني إلا أركان الميزنية العامة، ويشار إليها عموما بالمداخيل والنفقات، وبالتالي فإن القرض السعودي الذي حصل عيله العثماني ووقعه بوسعيد يهدف إلى خلق توازن بين المصاريف والمداخيل، وهنا يطرح سؤال آخر: لماذ وقع خلل في الميزانية؟ حسب الرواية المتواترة، فإن الغرض من القرض هو دعم الميزانية المخصصة لرواتب وأجور الموظفين، والتي ارتفعت إلى ملايير الدراهم في الوقت الذي كانت بأقل وبكثير من هذا المستوى. في بعض اللحظات، تكون الأرقام خادعة، لكن إعادة تقليبها علميا يمكن من الوصول إلى الحقيقة. في سنة 2007، بلغت كتلة الأجور 10.5 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وفي هذه الفترة كان محمد بوسعيد وزيرا في الحكومة، بل إنه هو من كان صاحب فكرة المغادرة الطوعية التي انطلقت في سنة 2004 إبان حكومة إدريس جطو، ثم ارتفعت هذه الميزانية إلى 12.5 في المائة سنة 2012، وبينما كانت هذه الكتلة لا تزيد عن 64 مليار درهم في سنة 200، بلغت مائة مليار درهم سنة 2015!! في جميع الأحوال، الهدف من سياسة المغادرة الطوعية هو التحكم في مستوى كتلة الأجور كي تظل في مستوياتها المقبولة، لكنها يبدو أن هذه السياسة خفقت في تحقيق أهدافها بعدما فاقت مستويات كتلة الأجور كل الانتظارات. باختصار، السياسة المالية التي كلفت الدولة الملايير لتعويض الراغبين في المغادرة الطوعية لوظائفهم، لم تعطي أكلها، بل ساهمت في مغادرة عدد من الطاقات والكفاءات لوظائفها، مع استمرار الزيادة في كتلة الأجور!! باختصار شديد، محمد بوسعيد الذي ضرب بقوة لتخفيض كتلة الأجور العمومية، هو نفسه الذي يوقع اليوم قرضا لدعم الموازنة العامة لتأدية الأجور!