رئيس النيابة العامة يستقبل وزير العدل الفرنسي ووفد رفيع المستوى    شفشاون تتصدر مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية.. وهذه توقعات الثلاثاء    عاجل.. إطلاق سراح الطفلة ملاك جيراندو    حماس تقول إن إسرائيل "تواصل الانقلاب" على اتفاق الهدنة في غزة    هذا موعد إعلان الركراكي عن قائمة أسود الأطلس    شرطة محطة القطار بطنجة توقف مروجا لمخدرات بحوزته 600 قرص من نوع "زيبام"    تأجيل اجتماع لجنة المالية بمجلس النواب كان سيناقش وضعية صندوق الCNSS بعد اتهامات طالت رئيستها    مقاييس التساقطات المطرية المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    اعتقال سائق سيارة أجرة بتهمة الإخلال بالحياء    حوض سبو.. نسبة ملء السدود تبلغ 37.10 في المائة إلى غاية 10 مارس    الجزائر تغازل إدارة ترامب وتعرض معادنها النادرة على طاولة المفاوضات    فالفيردي يصل إلى 200 مباراة في "الليغا"    التامني: القوانين وحدها غير كافية لتغيير وضعية النساء ومدونة الأسرة تحتاج إصلاحات جذرية    "البيجيدي" يطلب رأي مجلس المنافسة في هيمنة وتغول "الأسواق الكبرى" على "مول الحانوت"    فتح باب الترشح لنيل جائزة التميز للشباب العربي 2025 في مجال الابتكارات التكنولوجية    ملخص كتاب الإرث الرقمي -مقاربة تشريعي قضائية فقهية- للدكتور جمال الخمار    أوضاع كارثية وأدوية منتهية الصلاحية.. طلبة طب الأسنان بالبيضاء يقاطعون التداريب احتجاجا على ضعف التكوين    ذكرى وفاة المغفور له محمد الخامس: مناسبة لاستحضار التضحيات الجسام التي بذلها محرر الأمة من أجل الحرية والاستقلال    المغرب – سوريا إلى أين؟    تجار وموزعو البيض بالمغرب يكشفون أسباب الغلاء.. تفاصيل صادمة    إدارة السجن بني ملال تنفي ما تم تداوله حول وفاة سجين مصاب بمرض معدي    تعليق الدراسة بسبب سوء الأجواء الجوية بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة    من وهم الاكتفاء الذاتي إلى استيراد مليون رأس غنم بشكل مستعجل! أين اختفت السيادة الغذائية يا تبون؟    "نساء متوسطيات" يمنحن مراكش أمسية موسيقية ساحرة    الوزير عبد الصمد قيوح يعلن إدخال تحسينات جديدة على مطاري البيضاء ومراكش لتسهيل حركة المسافرين    حقيبة رمضانية.. فطور صحي ومتوازن وسحور مفيد مع أخصائي التغذية محمد أدهشور(فيديو)    كيف يتجنب الصائم أعراض الخمول بعد الإفطار؟    قلة النوم لدى المراهقين تؤدي إلى مشاكل لاحقة في القلب    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    غاستون باشلار وصور الخيال الهوائي :''من لايصعد يسقط !''    الكوكب يبسط سيطرته على الصدارة و"سطاد" يستعد له بثنائية في شباك اليوسفية    "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ..؟" !!(1)    أدت ‬ببعضها ‬إلى ‬الانسحاب.. شركات مالية ‬مغربية ‬تواجه ‬أوضاعا ‬صعبة ‬بموريتانيا    في رثاء سيدة الطرب المغاربي نعيمة سميح    هَل المَرأةُ إنْسَان؟... عَلَيْكُنَّ "الثَّامِن مِنْ مَارِسْ" إلَى يَوْمِ الدِّينْ    ترامب: التعليم في أمريكا هو الأسوأ في العالم    زيلينسكي يتوجه إلى السعودية قبل محادثات بين كييف وواشنطن    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    كندا.. المصرفي السابق مارك كارني سيخلف جاستن ترودو في منصب رئيس الوزراء    نهضة بركان على بعد خطوة من تحقيق أول لقب له بالبطولة    التطوع من أجل نشر القراءة.. حملة ينظمها حزب الاستقلال بالقصر الكبير    عمر هلالي يعلق على أنباء اهتمام برشلونة    الصين تعزز الحماية القضائية لحقوق الملكية الفكرية لدعم التكنولوجيات والصناعات الرئيسية    كوريا الجنوبية/الولايات المتحدة: انطلاق التدريبات العسكرية المشتركة "درع الحرية"    دراسة: الكوابيس علامة مبكرة لخطر الإصابة بالخرف    أبطال أوروبا .. موعد مباراة برشلونة ضد بنفيكا والقنوات الناقلة    رجاء القاسمي.. الخبرة السينوتقنية بلمسة نسائية في ميناء طنجة المدينة    إسرائيلي من أصول مغربية يتولى منصب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي    الشركة متعددة الخدمات الدار البيضاء سطات.. جهود مكثفة لتفادي تجمعات مياه الأمطار وتيسير حركة المرور    مباراة الوداد والفتح تنتهي بالتعادل    بطل في الملاكمة وبتدخله البطولي ينقذ امرأة من الموت المحقق … !    8 مارس ... تكريم حقيقي للمرأة أم مجرد شعارات زائفة؟    القول الفصل فيما يقال في عقوبة الإعدام عقلا وشرعا    الأمازِيغ أخْوالٌ لأئِمّة أهْلِ البيْت    السمنة .. وباء عالمي    نورة الولتيتي.. مسار فني متألق في السينما الأمازيغية    أمسية رمضانية أدبية احتفالا بإبداع الكاتب جمال الفقير    رحلت عنا مولات "جريت وجاريت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جدتى والعدالة الكونية
نشر في فبراير يوم 16 - 03 - 2014

منذ طفولتى أحلم بنافذة تطل على الأفق الممدود حتى السماء السابعة. جدتى كانت تقول: السماء ليست واحدة بل سبع سماوات، والإلهة «نون» الأم، وأولادها وبناتها المولودون من صلبها يسكنون مجمع الآلهة بالسماء السابعة.

تقدمت فى العمر ودراسة علوم الكون، لكنى أواصل الجلوس إلى نافذتى، أخترق بعينى السماء الأولى حتى السابعة، أملاً فى اختلاس نظرة إلى الآلهة المتخفية وراء أعمدة الدخان، حدثتنى عنهم جدتى، وقرأت قصصهم فى كتب المدرسة: نون ونوت وإزيس ومعات ورع وآمون وأتون وإخناتون ويهوه وإلوهيم وإيل وإيلات وبعل واللات ومناة (إلهة الموت) وعزرائيل.

مدينة القاهرة تبدو بعيدة جداً فى الوادى السحيق، راقدة تحت ركام التراب والدخان والغبار، والرذاذ المتناثر من أفواه الخطباء فى الانتخابات والأحزاب المتنافسة، ودماء الأكباش المراقة فى أعياد الفداء، ورائحة الفسيخ يوم شم النسيم، والزيت المحروق والفول المدشوش وذباب البيوت، واليرقات المتوالدة من فيروسات سى ودى وإف وأنفلونزا الطيور والخنازير.

الأشعة الغاربة تنزلق من وراء الأهرامات ومقابر الملوك الغابرة، ومن فوق جبل المقطم المقطوم برأسه الغائبة، والأموات تحت سفحه مع الأحياء يسكنون، وقصور القطامية بأشجارها وأسوارها المحصنة، وقلعة محمد على برؤوس المماليك الطائرة فوق الأحصنة،

لعبت الأحصنة دوراً فى الصراعات على العرش، كما الإله يهوه مفجر الزلازل والبراكين فى الحروب القديمة، والقنبلة النووية تدك الأرض وتقتل الملايين فى الحروب الحديثة، ولعبت الأحصنة فى عصرنا الحديث، ومعها الجمال، دوراً فى إسقاط الإله الجالس على عرش مصر ثلاثين عاماً، يتلاشى الضوء الرمادى وتهبط الظلمة ثقيلة قاتمة، إلا الأضواء الصغيرة المرتعشة المتناثرة على الأرض والسماء.

نسمة باردة تزيدنى غربة عن الوطن أو مسقط الرأس، سقط رأسى بين حدود الدول فى لحظة برق، سبحت فى الهيولة الأولى دون وطن أو أهل، تعودت منذ وعيت الحياة أن أطير وحدى، مثل طائرة بدون طيار، ذراعاى تدوران فى الهواء كجناحين من الريش، منذ طفولتى يراودنى الحلم بالطيران فوق قمم الجبال، أجتاز بحاراً وبلاداً مجهولة، تهزنى الفرحة بلذة الاكتشاف والمعرفة، فأنسى الغربة وتزول الغمة.

غامرت بنصف عمرى الأول من أجل لحظة اكتشاف واحدة، لكنها فى نظرى تساوى الأربعين سنة الأولى من حياتى، ثم غامرت بالأربعين الثانية من أجل لحظة أخرى كاشفة، وسوف أغامر بالأربعين الأخيرة أملاً فى لحظة جديدة، أموت فيها وأولد طفلة مبهورة بأى شىء، وإن كان نملة تمشى فوق الأرض، تدب بكبرياء الملكة أو الإلهة القديمة، ومن خلفها بناتها وأولادها يمشون بالمشية ذاتها.

جدتى كانت تمشى هذه المشية فى أزقة القرية، رغم هبوب الزوابع والرياح، وأكوام الروث والسباخ، ورفسات البغال ونهيق الحمير، وصيحات المتصارعين على منصب العمدة أو رئيس البلد، والكرابيج تطرد الفلاحين من عزبة الملك، رغم أنها أرضهم وأمهاتهم زرعتها بأيديهن وروينها بالدم والعرق، وأبى (ابن جدتى) كان يمشى مشية أمه، رغم بطش الحكومة وسجن الملك، وأمى كانت تمشى المشية نفسها، رغم بطش الأبوة وسجن الأمومة، والأصوات من فوق الجوامع تبايع الملك إلى الأبد، كنت فى حضن أمى تعلمنى الحروف والكتابة، وأبى يتفوق فى العلم والأدب، لكن ابن العمدة يحظى فى الامتحان بالدرجة العليا وجائزة الملك، وأبى يسقطونه آخر الصف فى الدرجة الأسفل، تمسح جدتى العرق عن جبينها بكفها المشققة الكبيرة، وتخبط بها بقوة فوق بطنها، وصوتها يدوى:

البطن اللى ولدت الملك مش أحسن من بطن أمك

هذا كان تعريف العدالة الكونية فى زمن جدتى، أما العدالة الانتقالية فقد أصبحت غير قابلة للتعريف فى زمن الحكومات بعد ثورة يناير 2011، كما عجزت الحكومات بعد ثورة يوليو 1952 عن تعريف «من هو الفلاح؟؟».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.